تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قصة الخوارج مستوفاة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي قصة الخوارج مستوفاة

    قصة الخوارج مستوفاة - من حين خروجهم على علي _رضي الله عنه_ إلى آخر ما كان من أمرهم.قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن----
    "إنه لما اشتد القتال يوم صفين قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال: نعم, قال: نرفع المصاحف, ثم نقول لما فيها: هذا حكم بيننا وبينكم. فإن أبى بعضهم أن يقبلها رأيت فيهم من يقول: ينبغي لنا أن نقبلها. فتكون فرقة فيهم. فإن قبلوا رفعنا القتال عنا إلى أجل.
    فرفعوا المصاحف بالرماح, وقالوا: هذا كتاب الله بيننا وبينكم, من لثغور الشام بعد أهله؟ من لثغور العراق بعد أهله؟
    فلما رآها الناس قالوا: نجيب إلى كتاب الله.
    فقال لهم علي: عباد الله! امضوا على حقكم وصدقكم, فإنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعلم به منكم, والله ما رفعوها إلا خديعة-

    -------------------------------------------------

    ووهنا ومكيدة. قالوا: لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب فنأبى أن نقبله.
    وقال لهم علي: إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب, فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده.
    قال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القراء: يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم, أو نفعل بك كما فعلنا بابن عفان. فلم يزالوا به حتى نهى الناس عن القتال, ووقع السباب بينهم وبين الأشتر وغيره ممن يرى عدم التحكيم.
    فقال الناس: قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما, فجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال: لأن الناس قد رضوا بما دعوهم إليه من حكم القرآن, إن شئت أتيت معاوية. قال علي: ائته, فأتاه. فقال: لأي شيء رفعوا المصاحف؟ قال: لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه, تبعثون رجلا ترضون به, ونبعث رجلا نرضى به, فنأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله, لا يعدلان عنه. فعاد إلى علي فأخبره. فقال الناس: قد رضينا. قال أهل الشام رضينا عمرو بن العاص. وقال الأشعث, وأولئك القوم الذين صاروا خوارج: رضينا بأبي موسى الأشعري. فراودهم علي على غيره, وأراد ابن عباس. قالوا: والله لا نبالي أنت كنت حكمها أم ابن عباس, ولا نرضى إلا رجلا منك ومن معاوية سواء, وأبوا غير أبي موسى. فوافقهم علي كرها. وكتب كتاب التحكيم.

    ص -48- فلما قرأه على الناس سمعه عروة بن أمية أخو أبي بلال. قال: تحكمون في أمر الله الرجال, لا حكم إلا لله. وشد بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب. وكان ذلك أول ما ظهرت الحرورية الخوارح. وفشت العداوة بينهم وبين عسكر علي, وقطعوا الطريق في إيابهم بالتشاتم والتضارب بالسياط.
    تقول الخوارج: يا أعداء الله! داهنتم في دين الله.
    ويقول الآخرون: فارقتم إمامنا, ومزقتم جماعتنا. ولم يزالوا كذلك حتى قدموا العراق, فقال بعض الناس من المتخلفين: ما صنع علي شيء. فسمعها علي فقال: وجوه قوم ما رأوا الشام, ثم أنشد شعرا:

    أخوك الذي إن أَجْرَضَتْكَ ملمة
    من الدهر لم يبرح لِبَثِّك واجما
    وليس أخوك بالذي إن تشعبت
    عليك الأمور ظل يلحاك لائما
    فلما دخل الكوفة ذهبت الخوارج إلى حروراء فنزل بها اثنا عشر ألفا, على ما ذكره ابن جرير. ونادى مناديهم: أن أمير القتال: شبث بن ربعي التميمي. وأمير الصلاة: عبد الله بن الكوَّاء اليشكري. والأمر شورى بعد الفتح, والبيعة لله عز وجل, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    فلما سمع علي ذلك وأصحابه قامت إليه الشيعة, فقالوا له: في أعناقنا بيعة ثانية, نحن أولياء من واليت, وأعداء من عاديت.


    قالت لهم الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان, أهل الشام بايعوا معاوية على ما أحب. أنتم بايعتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى. يريدون أن البيعة لا تكون إلا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, لأن الطاعة له تعالى.
    وقال لهم زياد بن النضر: والله ما بسط علي يده فبايعناه قط, إلا على كتاب الله وسنة نبيه, ولكنكم لما خالفتموه جاءت شيعته, فقالوا: نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت, ونحن كذلك وهو على الحق والهدى, ومن خالفه ضال مضل.
    وبعث علي _رضي الله عنه_ عبد الله بن عباس إلى الخوارج فخرج إليهم, فأقبلوا يكلمونه, فقال: نقمتم من المحكمين وقد قال الله عز وجل:
    {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} (النساء: من الآية35). فكيف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم!! قالوا له: ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم, وما حكم فأمضى فليس للعباد أن ينظروا فيه, في الزنا مائة جلدة, وفي السارق قطع يده, فليس للعباد أن ينظروا في هذا.
    قال ابن عباس: فإن الله تعالى يقول:
    {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (المائدة: من الآية95) قالوا: تجعل الحكم في الصيد والحرث وبين المرأة وزوجها: كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له: أعدل عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا؟ فإن كان عدلا فلسنا بعدول, وقد حكمتم في أمر الله الرجال.
    قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يرجعوا, وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا, وجعلتم بينكم وبينهم الموادعة, وقد قطع الله
    الموادعة بين المسلمين
    -----------وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلى من أقر بالجزية.
    فجاء علي وابن عباس يخاصمهم, فقال: إني نهيتك عن كلامهم حتى آتيك.
    ثم تكلم _رضي الله عنه_ فقال: اللهم هذا مقام من يفلج فيه, كان أولى بالفلج يوم القيامة. وقال لهم: من زعيمكم؟ قالوا ابن الكواء.
    فقال: فما أخرجكم علينا؟
    قالوا: حكومتكم يوم صفين.
    قال: أنشدكم الله! أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف وملتم بجنبهم قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم, إنهم ليسوا بأصحاب دين؟ وذكرهم مقالته, ثم قال: وقد اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن, فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالفه, إن أبينا فنحن من حكمهما براء.
    قالوا: فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء.
    قال: إنا لسنا حكمنا الرجال, إنما حكمنا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين, وإنما يتكلم به الرجال.
    قالوا: فخبرنا عن الأجل لما جعلته بينكم؟ قال: ليعلم الجاهل, ويثبت العالم, ولعل الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة, فادخلوا مصركم رحمكم الله. فدخلوا من عند آخرهم.
    فلما جاء الأجل وأراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي, فقالا

    ص -51- له: لا حكم إلا لله. فقال علي: لا حكم إلا لله. وقالا: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك, واخرج بنا إلى عدونا, نقاتلهم حتى نلقى الله ربنا.
    فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني, قد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا, وشرطنا شروطا, وأعطينا عهودا. وقد قال تعالى:
    {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } (النحل: من الآية91), فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه. قال علي: ما هو ذنب, ولكنه عجز من الرأي وقد نهيتكم عنه. قال زرعة: يا علي لئن حكمتم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله. فقال له علي: بؤسا لك ما أشقاك! كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح. قال: وددت لو كان ذلك. وخرجا من عنده يقولان: لا حكم إلا لله.
    وخطب علي ذات يوم فقالوها في جوانب المسجد. فقال علي: الله أكبر! كلمة حق أريد بها باطل. فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال: الحمد لله غير مودع ربنا, ولا مستغنى عنه, اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا, فإن إعطاء الدنية في الدين إدهان في أمر الله, وذل راجع بأهله إلى سخط الله. يا علي أبالقتل تخوفنا؟ أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات, ثم لتعلم أينا أولى بها صليا.
    وخطب علي يوما آخر فقال رجال في المسجد: لا حكم إلا لله.
    يريدون بهذا إنكار المنكر على زعمهم. فقال علي: الله أكبر! كلمة حق أريد بها باطل. أما إن لكم علينا ثلاثا: ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه, ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا, ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا, وإنا ننتظر فيكم أمر الله. ثم عاد إلى

    ص -52- مكانه من الخطبة.
    ثم إن الخوارج لقي بعضهم بعضا واجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي, فخطبهم وزهدهم في الدنيا, وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ثم قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كهوف الجبال أو إلى بعض هذه المدائن, منكرين لهذه البدع المضلة.
    فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع في هذه الدنيا قليل, وإن الفراق لها وشيك, فلا تدعونّكم بزينتها وبهجتها إلى المقام بها, ولا تلفتنّكم عن طلب الحق وإنكار الظلم, فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
    قال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم! إن الرأي ما رأيتم, فولوا أمركم رجلا منكم, فإنه لا بد لكم من عماد وسنان وراية تحفون بها وترجعون إليها. فعرضوا ولايتهم على زيد بن حصين الطائي, وعرضوها على حرقوص بن زهير فأبياها, وعلى حمزة بن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا, ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فقال: هاتوها, أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا, ولا أدعها فرارا من الموت. فبايعوه لعشر خلون من شوال. وكان يقال له: ذوا الثَّفِنَات(1).

    -------------------------------------------------

    ص -53- فاجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي. فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها وننفذ حكم الله فإنكم أهل الحق.
    قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها, ونأخذ بأبوابها, ونخرج منها سكانها, ونبعث إلى أخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا. فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين تبعوكم, ولكن اخرجوا وحدانا ومستخفين. فأما المدائن فغن بها من يمنعكم, ولا تسيروا حتى تنزلوا بجسر النهروان, وتكابوا(1) إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذا الرأي.
    فكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة, ليعلمهم ما اجتمعوا عليه, ويحثهم على اللحاق بهم. فأجابوه. فلما خرجوا صار شريح بن أوفى العبسي يتلو قوله:
    {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} (القصص: من الآية21) إلى قوله: {سَوَاءَ السَّبِيلِ} البقرة: من الآية108) وخرج معهم طرفة بن عدي إلى عامل علي أمير المدائن.(2) يحذره, فحذر وضبط الأبواب, واستخلف عليها المختار بن أبي عبيد, وخرج بالخيل في طلبهم فأخبر ابن وهب فسار على بغداد ولحقه ابن مسعود أمير المدائن بالكرخ في خمسمائة فارس, فانصرف إليه ابن وهب الخارجي في ثلاثين فارسا, فاقتتلوا ساعة, وامتنع القوم منهم, فلما جن الليل على ابن وهب عبر الدجلة, وصار إلى النهروان, ووصل إلى
    -------------------------------------------------

    ص -54- أصحابه, وتفلت رجال من أهل الكوفة يريدون الخوارج, فردهم أهلوهم, ولما خرجت الخوارج من الكوفة عاد أصحاب علي وشيعته إليه, نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت. فشرط لهم سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم, فجاءه ربيعة بن أبي(1) شداد الخثعمي. فقال: أبايع على سنة أبي بكر وعمر. قال علي: ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء(2) من الحق, فبايعه, ونظر إليه علي فقال: أما والله لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت, وكأني بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها. فكان ذلك, وقتل يوم النهروان مع الخوارج.
    وأما خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل جعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي, وعلم بهم ابن عباس, فأتبعهم بالأسود الدؤلي, فلحقهم بالجسر الأكبر, فتواقفوا حتى حجز دونهم الليل(3), وأدلج مسعر بأصحابه, وسار حتى لحق بابن وهب.
    فلما انقضى أمر التحكيم وخدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري, وصرح عمرو بولاية معاوية, بعد أن عزل أبو موسى عليا _خدعه عمرو بذلك_ فهرب أبو موسى إلى مكة؛ قام علي في الكوفة فخطبهم. وقال في خطبته:

    -------------------------------------------------


    ص -55- الحمد لله, وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
    أما بعد: فإن المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم, وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين _يعني: أبا موسى وعمرو بن العاص_ وفي هذه الحكومة أمري, ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر(1)! ولكن أبيتم إلا ما أردتم, فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوزان:
    أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
    فلم يستبينوا(2) الرشد إلا ضحى الغد
    إلا أن هذين الرجلين الذين أخرجتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما, وأحييا ما أمات القرآن, واتّبع(3) كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله, فحكما بغير حجة بينه ولا سنة ماضية(3), واختلفا في حكمهما, وكلاهما لم يرشد, فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين. فاستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام.

    -------------------------------------------------

    ص -56- وكتب إلى الخوارج: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس, أما بعد: فإن هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما(1) قد خالفا كتاب الله, واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله, فلم يعملا بالسنة, ولم ينفذا للقرآن حكما, فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون.
    فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوه إلينا, فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم, ونحن على الأمر الأول, الذي كنا عليه والسلام(2).
    فكتبوا إليه: أما بعد: فإنك لم تغضب لربك, وإنما غضبت لنفسك, فإن شهدت على نفسك بالكفر, واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك, وإلا فقد نابذناك على سواء
    {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال: من الآية58).
    فلما قرأ كتابهم أيس منهم, ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى قتال أهل الشام, فقام في الكوفة فندبهم إلى الخروج معه, وخرج معه أربعون ألف مقاتل وسبعة عشر من الأبناء وثمانية آلاف من الموالي والعبيد. وأما أهل البصرة فتثاقلوا ولم يخرج إلا ثلاثة آلاف.
    وبلغ عليا أن الناس يرون قتال الخوارج أهم وأولى. قال لهم عليّ: دعوا هؤلاء, وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا(3) جبارين ملوكا,

    -------------------------------------------------

    ص -57- ويتخذوا عباد الله خولا. فناداه الناس: أن سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت.
    ثم إن الخوارج استعر(1) أمرهم, وبدؤا بسفك الدماء وأخذوا الأموال, وقتلوا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وجدوه سائرا بامرأته على حمار فانتهروه وأفزعوه, ثم قالوا له: ما أنت؟ فأخبرهم.
    قالوا: حدثنا عن أبيك الخباب حديثا سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعنا به, فقال: حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه, يمسي مؤمنا ويصبح كافرا, ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا"(2). قالوا: لهذا سألنك. فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا. فقالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها. قال: إنه كان محقا في أولها وآخرها؟ قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال أقول: إنه أعلم بالله منكم, وأشد توقيا على

    -------------------------------------------------


    ص -58- دينه, وأنفذ بصيرة. فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها, والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا, فأخذوه فكتفوه, ثم أقبلوا به وبامراته وهي حبلى متم(1), فنزلوا تحت نخل مثمر, فسقط منه رطبة, فأخذها أحد فلاكها في فيه, فقال له آخر: أخذتها بغير حلها, وبغير ثمن! فألقاها. ثم مر بهم خنزير, فضربه أحدهم بسيفه, فقالوا: هذا فساد في الأرض, فلقي صاحب الخنزير وهو من أهل الذمة, فأرضاه.
    فلما رأى ذلك ابن خبّاب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي بأس, إني لمسلم(2) ما أحدثت في الإسلام حدثا, ولقد أمّنتموني. فأضجعوه وذبحوه, وأقبلوا إلى امرأته. فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله, فبقروا بطنها. وقتلوا أم سنان الصيداوية وثلاثا من النساء.------------------[رحم الله خباب وامراته ونساء المؤمنين]
    فلما بلغ ذلك عليا بعث الحارث بن مرة العبدي يأتيه بالخبر, فلما دنا منهم قتلوه, فألح الناس على علي في قتالهم, وقالوا: نخشى أن يخالفونا في عيالنا وأموالنا, فسر بنا إليهم. وكلمه الأشعث بن قيس الكندي بمثل ذلك, واجتمع الرأي على حربهم, وسار علي يريد قتالهم, فلقيه منجّم في مسيره, فأشار عليه أن يسير في وقت مخصوص, وقال: إن سرت في غيره لقيت أنت وأصحابك ضررا شديدا. فخالفه علي في الوقت الذي نهاه عنه.

    -------------------------------------------------


    ص -59- فلما وصل إليهم قالوا(1): ادفعوا إلينا قتلة إخواننا نقتلهم ونترككم, فلعل الله أن يقبل بقلوبكم, ويردكم إلى خير ما أنتم عليه. فقالوا(2): كلنا قتلتهم(3), وكلنا مستحل لدمائهم ودمائكم. وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فقال: عباد الله أخرجوا إلينا طلباتنا منكم, وادخلوا في هذا الأمر الذي خرجتم منه, وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم(4), فإنكم ركبتم عظيما من الأمر, تشهدون علينا بالشرك, وتسفكون دماء المسلمين.
    فقال له عبد الله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أو تأتونا بمثل عمر. فقال: ما نعلمه غير صاحبنا, فهل تعلمونه فيكم؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها, فإني لا أرى الفتنة إلا وقد غلبت عليكم.
    وخطبهم أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري, فقال: عباد الله! إنا وإياكم على الحال الأولى التي كنا عليها, ليست بيننا وبينكم فرقة, فعلام تقاتلوننا(5)؟ فقالوا: إن بايعناكم(6) اليوم حكمتكم الرجال غدا. قال: فإني أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في القابل.

    -------------------------------------------------

    ص -60- وأتاهم عليّ _رضي الله عنه_ فقال: أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة, وصدها عن الحق الهوى, وطمع بها النّزق, وأصبحت في الخطب العظيم.
    إنني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم(1) الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر, وبأهضام(2) هذا الغائط, بغير بينة من ربكم ولا برهان, ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة, ونبأتكم أنها مكيدة, وأن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن, فعصيتموني, فلما فعلتم أخذت على الحكمين واستوثقت أن يحييا ما أحيا القرآن, ويميتنا ما أمات القرآن, فاختلفا وخالفا حكم الكتاب, فنبذنا أمرهما, فنحن على الأمر الأول فمن أين أتيتم؟
    قالوا: إنا حكّمنا فلما حكمنا أثمنا, وكنا بذلك كافرين, وقد تبنا, فإن تبت فنحن معك ومنك, فإن أبيت فإنا منابذوك على سواء.
    قال عليّ: أصابكم حاصب, ولا بقي منكم وابر(3), أبعد(4) إيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم هجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر!! لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين.

    -------------------------------------------------

    ص -61- وقيل كان من كلامه: يا هؤلاء! إن أنفسكم قد سولت لكم فراقي بهذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها وسألتموها, وأنا لها كاره, وأنبأتكم أن القوم إنما طلبوها مكيدة ووهنا, فأبيتم عليّ إباء المخالفين, وعدلتم عنيّ عدول(1) النكداء العاصين, حتى صرفت رأيي إلى رأيكم, وأنتم _والله_ معاشر أخفّاء الهام, سفهاء الأحلام, فلم آت_لا أبالكم_ حراما, والله ما خبلتكم عن أموركم(2), ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم, ولا أوطأتكم عشوة(3), ولا أدنيت لكم ضرا, وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا فأجمع رأي ملئكم على(4) أن اختاروا رجلين, فأخذنا عليهما أن يحكما بالحق ولا يعدوانه, فتركا الحق وهما يبصرانه, وكان الجور هواهما والتقية دينهما, حتى خالفا سبيل الحق وأتيا بما لا يعرف, فبينوا لنا بم تستحلون قتالنا والخروج عن جماعتنا, وتضعون(5) سيوفكم على عواتقكم, ثم تستعرضون الناس تضربون رقابهم, إن هذا هو الخسران المبين, والله لئن قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها, فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام.
    -------------------------------------------------

    ص -62- فتنادوا: أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيئوا للقاء الله, الرّواح الرواح إلى الجنة.
    فرجع عليّ عنهم, ثم إنهم قصدوا جسر النهر, فظن الناس أنهم عبروه. فقال عليّ: لم يعبروه, وإن مصارعهم لدون النهر, والله لا يقتلون منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة.
    فتعبّأ الفريقان للقتال, فناداهم أبو أيوب فقال: من جاء هذه الراية فهو آمن, ومن انصرف إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن. فانصرف فروة ابن نوفل الأشجعي في خمسمائة فارس, وخرجت طائفة أخرى متفرقين, فبقي مع عبد الله بن وهب ألفان وثمانمائة(1), فزحفوا إلى عليّ وبدؤوه بالقتال وتنادوا: الرّواح الرّواح إلى الجنة. فاستقبلهم(2) الرماة من جيش عليّ بالنبل والرماح والسيوف, ثم عطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة, وعليها أبو أيوب الأنصاري, وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري, فلما عطفت عليهم الخيل والرجال, وتداعى عليهم الناس ما لبثوا أن أناموهم فماتوا في ساعة واحدة, فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا, وقتل ابن وهب وحرقوص وسائر سراتهم.
    وفتّش عليّ في القتلى والتمس المخدّج الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الخوارج فوجده في حفرة على شاطئ النهر, فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمته عليها شعرات سود, فإذا مدت امتدت

    -------------------------------------------------

    ص -64- معه من أفاضل الصحابة والتابعين لما وافقهم في تحكيم الحكمين, ثم زعموا أن تحكيم الرجال في دين الله كفر يخرج عن الملة, وأنهم قد أثموا بذلك, وكفروا فتابوا من هذا الأمر, وقالوا لعلي: "إن تبت فنحن معك ومنك, وإن أبيت فإنا منابذوك على سواء".
    فإذا تبين لك أن ما فعلوه إنما هو إحسان ظن بقرّائهم الذين غلو في الدين, وتجاوزوا الحد في الأوامر والنواهي, وأساءوا الظن بعلماء الصحابة, الذين هم أبرّ هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا, قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإظهار دينه, فلما لم يعرفوا فضلهم ولم يهتدوا بهديهم؛ ضلوا عن الصراط المستقيم الذي كان عليه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم وزعموا أنهم داهنوا في الدين(1).
    والذي حملهم على ذلك أخذهم بظواهر النصوص في الوعيد, ولم يهتدوا لمعانيها, وما دلت عليه, فوضعوها في غير مواضعها, وسلكوا طريقة التشديد والتعسير والضيق, وتركوا ما وسع الله لهم من اليسير الذي أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما بعثتم ميسرين, ولم تبعثوا معسرين"(2).

    -------------------------------------------------

    ص -65- ولهذا كان أمير المؤمنين عليّ _رضي الله عنه_ يسير فيهم بهذه الطريقة, ويناصحهم في الله ولله, ويتلطف لهم في القول لعل الله أن يقبل بقلوبهم, وأن يرجعوا إلى ما كانوا عليه أولا, ويراجعهم المرّة بعد المرّة, كما قاله في خطبتهم لما خطبهم. فقالوا: "لا حكم إلا لله _يريدون بهذا إنكار المنكر على زعمهم_ فقال عليّ: "الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل, أما إن لكم علينا ثلاثا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه, ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا, ولا نقاتلكم حتى تبدؤنا, وإنا ننتظر فيكم أمر الله".
    ولما قيل له: "يا أمير المؤمنين أكفار هم؟" قال: "من الكفر فروا". فقالوا: "أفمنافقون هم؟" قال: "إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا, وهؤلاء يذكرون الله كثيرا". قالوا: فما هم؟ قال: " إخواننا بغوا علينا".
    فهذه سيرته _رضي الله عنه_ مع هؤلاء المبتدعة الضلال مع قوله لأصحابه فيهم: والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قاتلهم, متبصرا في قتالهم, عارفا للحق الذي نحن عليه, ومع علمه بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية, ثم لا يرجعون إليه حتى يرجع السهم إلى فوقه"(1) ومع قوله صلى الله عليه وسلم فيهم:"أينما لقيتموهم فاقتلومهم"(2), "لئن أدركتهم

    -------------------------------------------------

    ص -66- لأقتلنهم قتل عاد"(1) مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلا, حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم, وهم إنما تعلموا العلم من الصحابة.
    فعلى من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يعرف طريقة هؤلاء القوم, وأن يجتنبها, ولا يغتر بكثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم وزهدهم في الدنيا, وأن يعرف سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم, وما كانوا عليه من الهدى ودين الحق, الذي فضّلوا به على من بعدهم, وعدم تكلفهم في الأقوال والأفعال, لعله أن يسلم من ورطات هؤلاء الضلال, والله يقول الحق وهو يهدي السبيل, وحسبنا الله ونعم الوكيل.[منهاج التاسيس]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    السؤال:
    من هم الخوارج، وهل كفار أم مسلمون؟
    فأجاب العلامة ابن باز رحمه الله:
    الخوارج طائفة عندها غلو، مجتهدة في الدين عندهم اجتهاد في الصلاة والقراءة وغير ذلك، ولكن عندهم غلو، يكفرون أهل المعاصي لشدة غلوهم يرون من زنى كفر، من شرب الخمر كفر، من عق والديه كفر، يكفرون بالذنوب، قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم-: (يمرق مارقة على حين ... من المسلمين يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه)، هؤلاء هم الخوارج عندهم تنطع، إذا قرأ تعجبك قراءتهم إذا صلوا تعجبك صلاتهم ولكنهم عندهم غلو في تكفير الناس، يرون من زنى كفر من سرق كفر، من شرب الخمر كفر، فلهذا قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد، فإنه أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم) والجمهور على أنهم عصاة مبتدعة ضالون، ولكن لا يكفرونهم، والصواب أنهم كفار بهذا، قوله: (يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه) دليل على أنهم كفار، (ولئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) عاد كفار، والصحيح والظاهر من الأدلة أنهم بهذا التنطع وبتكفيرهم المسلمين، وتخليدهم في النار أنهم كفارٌ بهذا؛ لأنهم يرون العاصي كافر ومخلد في النار، فهذا ضلال بعيد والعياذ بالله، وخروجاً عن دائرة الإسلام نعوذ بالله. نسأل الله العفو والعافية شكر الله لكم...
    http://www.binbaz.org.sa/noor/11822
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    جزاك الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •