المستقيم على المنهج السوي، والطريق النبوي، عند فساد الزمان ومروج الأديان، غريب ولو عند الحبيب، إذ قد توفرت الموانع، وكثرت الآفات، وتظاهرت القبائح والمنكرات، وظهر التغيير في الدين والتبديل، واتباع الهوى والتضليل، وفقد المعين، وعز من تلوذ به من الموحدين، وصار الناس كالشيء المشوب، ودارت بين الكل رحى الفتن والحروب، وانتشر شر المنافقين، وعيل صبر المتقين، وتقطعت سبل المسالك، وترادفت الضلالات والمهالك، ومنع الخلاص ولات حين مناص؛ فالموحد بينهم أعز من الكبريت الأحمر، ومع ذلك فليس له مجيب ولا راع، ولا قابل لما يقول ولا داع. وقد نصبت له رايات الخلاف، ورمي بقوس العداوة والاعتساف، ونظرت إليه شزر العيون، وأتاه الأذى من كل منافق مفتون، واستحكمت له الغربة، وأفلاذ كبده تقطعت مما جرى في دين الإسلام وعراه من الانثلام والانفصام، والباطل قد اضطرمت ناره، وتطاير في الآفاق شراره؛ ومع هذا كله، فهو على الدين الحنيفي مستقيم، وبحجج الله وبراهينه مقيم، فبالله، قل لي: هل يصدر هذا إلا عن يقين صدق راسخ في الجنان، وكمال توحيد وصبر وإيمان، ورضى
وتسليم لما قدره الرحمن؟ وقد وعد الله الصابرين جزيل الثواب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر آية: 10]. وقد قال بعض العلماء، رحمهم الله: من اتبع القرآن والسنة، وهاجر إلى الله بقلبه، واتبع آثار الصحابة، لم يسبقه الصحابة، إلا بكونهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وفي ذلك الزمان، فالكل له أعوان وإخوان، ومساعدون ومعاضدون، ولهذا قال علي بن المديني، كما ذكره عنه ابن الجوزي، في كتاب صفوة الصفوة: ما قام أحد بالإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل، قيل: يا أبا الحسن، ولا أبا بكر الصديق؟ قال: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان له أصحاب وأعوان، وأحمد بن حنبل لم يكن له أصحاب. انتهى.-----------