عمل المحرفون من أهل الشرك على تغيير النصرانية، وتحريف كتابها "الإنجيل"، وطمس ما فيه من آيات توحيدية ولمسات إيمانية. وقد تبع هؤلاء المحرفين جموع كثيرة، ساهمت فيما بعد في تكوين فرق كبرى في هذه الديانة التي أصابها التحريف والتبديل. ومن خلال هذا التقرير الوجيز سنشير في عجالة إلى أشهر الفرق النصرانية في القديم والحديث، مع إعطاء تعريف يسير بكل فرقة طلباً للإيجاز والاختصار.
لكننا نؤكد على أنَّ الله تعالى بعث النبي الكريم عيسى بن مريم- عليه السلام- إلى بني إسرائيل لهدايتهم، وردهم إلى دين التوحيد، فـ"أكرمه الله بالنبوة والوحي، وآتاه الإنجيل، وأيده بروح القدس، والمعجزات الباهرة، يشفي الله به المرضى الذين عجز عن مداوتهم الأطباء، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق للناس من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وينبئ بما يأكله الناس ويدخرونه في بيوتهم"[1].
وقد آمن بعيسى من آمن وكفر به من كفر، وبين الفريقين كان هناك فريق من المنافقين من اليهود ومن غير اليهود الذين عملوا فيما بعد على تحريف النصرانية، وإخراجها عن مسارها الصحيح، المسار التوحيدي الذي بعث به عيسى بن مريم- عليه السلام، وكل نبي كريم أرسله الله -عز وجل- لهداية بني آدم.
فالنصرانية هي الدين الذي انحرف عن الرسالة التي أنزلت على عيسى -عليه الصلاة والسلام، مكملة لرسالة موسى -عليه الصلاة السلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح. وهذه الرسالة جابهت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية فنشأت النصرانية"[2].
وقد "انقسم النصارى إلى ثلاثة مذاهب رئيسية: أرثوذكسية وكاثوليكية وبروتستانتية، وهي مذاهب تختلف في أصل الدين وطبيعة المسيح، وهل الله واحد أم ثلاثة. وبداخل كل مذهب وجدت فرق وتعددت هذه الفرق تعدداً كبيراً، بسبب التحريف ودرجاته. ولا شك أن هذا العدد في الفرق هو تحقيق لحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الترمذي، والذي بيَّن أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة، وجاء في نهايته (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلى واحدة وهي الجماعة)"[3].
من أشهر الفرق النصرانية[4]:
من الفرق القديمة الموحدة:
اليهودية المسيحية: وهي مجموعة بقيت بعد المسيح كوّنت طائفة يهودية تمارس ديانة المعبد، وتحفظ تعاليمها، وكانت علاقة اليهود المسيحيين ببولس في غاية العداء، إذ كان بولس يعتبر معتقدات هذه الفرقة مثل الختان ومراعاة السبت وديانة المعبد، أموراً بالية.
فرقة الأبيونية: تؤمن هذه الفرق بجميع شرائع موسى، وأصحابها من أتباع القسيس أبيون، وتعتبر عيسى هو المسيح المنتظر، كان لهذه الفرقة أنجيل خاص، وقد انقرضت بعد القرن الرابع.
فرقة الشمشاطي: تنسب إلى "بولس الشمشاطي"، وكان ينكر ألوهية المسيح.
فرقة الأريوسيون: تنسب هذه الفرقة إلى "آريوس" الذي نفى ألوهية المسيح، واعتبر المسيح عبدا لله ونبيا كباقي الأنبياء.
من الفرق الشركية القديمة:
فرقة المرقونية: تنسب هذه الفرقة إلى "مرقيون"، وكان من رجال القرن الثاني الميلادي، وحكم عليه بالطرد والحرمان لاعتقاده بوجود إلهين.
فرقة البربرانية: كانت هذه الفرقة تنادي بألوهية المسيح وأمه، وقد انقرضت.
فرقة التثليث: ترى هذه الفرقة أن الإله له ثلاثة أقانيم، وهي الأب والابن وروح القدس، وهذه الفرقة هي التي أصبحت فيما بعد المذهب المسيحي الرسمي لجميع المسيحيين بعد مجمع نيقية.
من الفرق الشركية النصرانية بعد ظهور الإسلام:
فرقة النسطورية: وهم أتباع "نسطور"، القائل بأن للمسيح أقنومين.
فرقة اليعقوبية: نسبة إلى يعقوب البرادعي، وتعتقد هذه الفرقة بأن الإله ثلاثة أقانيم الأب والابن وروح القدس.
فرقة الملكانية: قالوا: إن المسيح ذو طبيعتين؛ إلهية وبشرية، وهو مذهب جميع ملوك النصارى.
من الفرق النصرانية المعاصرة[5]:
الكاثوليك: أكبر الكنائس النصرانية في العالم، وتدعي أنها أم الكنائس ومعلمتهن. تزعم أن مؤسسها "بطرس الرسول"، وتتمثل في عدة كنائس تتبع كنيسة روما، وتعترف بسيادة بابا روما عليها، وسميت بالكنيسة الغربية أو اللاتينية لامتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة. وهي تؤمن -مثل باقي الكنائس الأخرى- بإله واحد مثلث الأقانيم: الأب، الابن، الروح القدس، كما تؤمن بأن للمسيح طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية.
الأرثوذكس: هي أحد الكنائس الرئيسية الثلاث في النصرانية. وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية بشكل نهائي عام 1054م، وتمثَّلت في عدة كنائس مستقلة لا تعترف بسيادة بابا روما عليها، ويجمعهم الإيمان بأن الروح القدس منبثقة عن الأب وحده، وعلى خلاف بينهم في طبيعة المسيح. وتُدعى "أرثوذكسية" بمعنى مستقيمة المعتقد، مقابل الكنائس الأخرى. يتركَّز أتباعها في المشرق، ولذا يطلق عليها الكنيسة الشرقية.
البروتستانت: فرقة من النصرانية احتجوا على الكنيسة الغربية باسم الإنجيل والعقل. وتسمى كنيستهم بالبروتستانتية، حيث يعترضون (Protest) على كل أمر يخالف الكتاب وخلاص أنفسهم؛ وتسمى بالإنجيلية أيضاً، حيث يتبعون الإنجيل دون سواه. ويعتقدون أن لكل قادر الحق في فهمه، فالكل متساوون ومسؤولون أمامه. وتؤمن الكنائس البروتستانتية بنفس أصول المعتقدات التي تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تخالفها في بعض الأمور، ومنها الخضوع لنصوص الكتاب المقدس وحده.

[1] قصص النبيين، حسن أيوب، ص:351.
[2] الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، إشراف د. مانع الجهني: ج2/564.
[3] المرجع السابق: ج2/562.
[4] هذا التقسيم مستفاد من بحث "فرق النصارى وأثر التحريف على تفرقهم"، لعبدالله البدر، جامعة الملك سعود- كلية التربية، ص: 8-15.
[5] ينظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي: ج2/582- 600.

رابط الموضوع:
http://taseel.com/articles/4807