زَكَاةُ الْحُلِيِّ :
1- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْتِعْمَالا مُحَرَّمًا ، كَأَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ حَلْيَ الذَّهَبِ لِلاسْتِعْمَالِ ، لأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُبَاحٍ فَسَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ وَهُوَ صِيَاغَتُهُ صِيَاغَةً مُحَرَّمَةً ، وَبَقِيَ عَلَى حُكْمِ الأَصْلِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ .
2- كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْحَلْيِ الْمَكْنُوزِ الْمُقْتَنَى الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مُقْتَنِيهِ اسْتِعْمَالا مُحَرَّمًا وَلا مَكْرُوهًا وَلا مُبَاحًا ، لأَنَّهُ مَرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ فَصَارَ كَغَيْرِ الْمَصُوغِ ، وَلا يَخْرُجُ عَنِ التَّنْمِيَةِ إِلا بِالصِّيَاغَةِ الْمُبَاحَةِ وَنِيَّةِ اللُّبْسِ .
3- وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَلْيِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْتِعْمَالا مُبَاحًا كَحَلْيِ الذَّهَبِ لِلْمَرْأَةِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ .
القول الأول :
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَة ُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ الْمُبَاحِ الْمُسْتَعْمَلِ .
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَسْمَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَالْقَاسِمِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَمْرَةَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ مِنْ آثَارٍ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَسْمَاءَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَلِي بَنَاتِ أَخِيهَا فِي حِجْرِهَا لَهُنَّ الْحُلِيَّ فَلا تُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتِهِ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ لا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .
وَرُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي ثِيَابَهَا الذَّهَبَ ، وَلا تُزَكِّيهِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا .
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلا سَأَلَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيه زَكَاةٌ ؟ فَقَالَ جَابِرٌ لا ، فَقَالَ : وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ جَابِرٌ كَثِيرٌ .
وَالْمَأْثُورُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يُخَالِفُ مَا رَوَتْهُ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُخَالِفْهُ إِلا فِيمَا عَلِمْتُهُ مَنْسُوخًا ، فَإِنَّهَا زَوْجُهُ وَأَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّ أُخْتَهُ حَفْصَةَ كَانَتْ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمُ حُلِيِّهَا لا يَخْفَى عَلَيْهِ وَلا يَخْفَى عَنْهَا حُكْمُهُ فِيهِ . كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ عَلَى ثِيَابِ الْبَدَنِ وَالأَثَاثِ وَعَوَامِلِ الْبَقَرِ فِي أَنَّهَا مُرْصَدَةٌ فِي اسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ فَسَقَطَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا .
القول الثاني :
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الآخَرِ فِي الْجَدِيدِ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحَلْيِ الْمُبَاحِ الْمُسْتَعْمَلِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ ، وَطَاوُسٍ ، وَابْنِ مِهْرَانَ وَمُجَاهِدٍ ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَابْنِ حَبِيبٍ .
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو " أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا : أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟ قَالَتْ : لا . قَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟ قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ " (2) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدِيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ، فَقُلْتُ : صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَتُؤْتِينَ زَكَاتَهُنَّ ؟ قُلْتُ : لا ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ : هَذَا حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ " (3) .
وَالْحُلِيُّ مَالٌ نَامٍ وَدَلِيلُ النَّمَاءِ الإِعْدَادُ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً .
(1)بدائع الصنائع 2 / 17 ، البحر الرائق 1 / 243 ، حاشية ابن عابدين 2 / 30 ، البناية 3 / 106 ، حاشية الدسوقي 1 / 460 ، الشرح الصغير 1 / 624 ، الباجي على الموطأ2 / 107 ، المجموع 6 / 35 ، 36 ، كشاف القناع 2 / 235 ، المغني 3 / 13 .
(2)حديث عبد الله بن عمرو : " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم . . . " أخرجه أبو داود ( 2 / 212 ـ تحقيق عزت عبيد دعاس ) ، وصححه ابن القطان كما في نصب الراية ( 2 / 370 ـ ط المجلس العلمي بالهند ) .
(3)حديث : " عائشة : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . " أخرجه أبو داود ( 2 / 213 ـ تحقيق عزت عبيد دعاس ) والحاكم ( 1 / 389 ـ ط دائرة المعارف العثمانية ) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
*** ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية مادة (حلي).
من كان عنده مزيد فائدة في المسألة فلا يحرمنا