بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أما بعد :
فهذا مقال جمعت فيه ما يتعلق بالإيمان بالأسماء والصفات موضحا جوانبه ومبينا معالمه ليسهل علينا فهمه وتحقيقه لا سيما وهو النوع الثالث من أنواع التوحيد بعد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وهو السبيل للتعرف على الله تعالىوقد قسمت الموضوع إلى ست مسائل :
المسألة الأولى: تعريف الأسماء والصفات
المسألة الثانية :كيف تعتبر وتعرف الأسماء الحسنى
المسألة الثالثة : عدد الأسماء الحسنى
المسألة الرابعة : أقسام صفات الله وفيه فرعان الفرع الأول الصفات الخبرية الفرع الثاني الصفات المعنوية
المسألة الخامسة: حقيقة الإيمان بالأسماء الحسنى وفيه فروع
الفرع الأول: تفهم معانيها. الفرع الثاني: دعاء الله بها. الفرع الثالث: محاولة الاتصاف بها .
الفرع الرابع : الحلف بها ، وفيه بحث حول دعاء الصفة المجردة عن الاسم.
المسألةالسادسة: تعليق الأسماء الحسنى .للزينة والتحرز.
المسألة الأولى :المقصود بالأسماء الحسنى والصفات العلى :
أسماء الله تعالى كل ما سمى به نفسه في كتابة، أو سماه به أعلم الخلق به رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] .إما مشتقة من الأسماء فكل اسم له سبحانه إلا وهو متضمن لصفة ، وإما هي صفات أخرى أخبرنا عنها الله تعالى وهي التي يطلق عليها العلماء اسم الصفات الخبرية والفعلية وسيأتي لكلام عنها .
وموقف أهل السنة من هذه الأسماء أنهم يؤمنون بها على أنها أسماء لله تسمى بها الله عزوجل، وأنها أسماء حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوهفهم يثبتون الأسماء على أنها أسماء لله، وبثبتون أيضاً ما تضمنته هذه الأسماء من الصفات.
فمثلا من أسماء الله تعالى العليم وهو متضمن لصفة العلم .
المسألة الثانية :كيف نعرف الأسماء الحسنى؟
الذي يطلق على الله عز وجل ثلاثة أمور: الأول: الاسم.
الثاني: الصفة.
الثالث: الخبر.
وبين هذه الثلاثة الأمور فروق يمكن أن نذكر شيئاً منها.
أما الاسم: فهو ما يدل على ذات الله سبحانه وتعالى مع دلالته على صفة الكمال.
وأما الصفة: فإنها التي تدل على معنى يقوم بذات الله سبحانه وتعالى.
فالاسم يدل على أمرين : على الذات وعلى صفة يحملها هذا الاسم، وأما الصفة فإنها تدل على أمر واحد وهو مجرد الوصف، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الاسم هو الذي يعبَّد له، فيقال في الرحمن عبد الرحمن، ويقال في العزيز عبد العزيز، ويقال في الكريم عبد الكريم، لكن الصفة لا يعبد لها، فلا يقال في الرحمة مثلاً: عبد الرحمة، ولا يقال: عبد المُلك، وعبد العزة.
ومن جهة أخرى، فالاسم هو العلم في اللغة، والصفة هي المصدر، فمثلاً العزيز علم، وأما العزة فهي المصدر.
وأسماء الله سبحانه وتعالى هي الأعلام التي تدل على ذات الله عز وجل وتتضمن الصفات، فالعزيز والحليم والرحيم تتضمن العزة والحلم والرحمة وهكذا فكل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته.
وأما الخبر فهو ما يطلق على الله عز وجل بغير توقف، كأن يقال: إن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود مثلاً، أو إن الله سبحانه وتعالى قديم أزلي، وهذه الألفاظ لم ترد في السنة ولم ترد في القرآن، لكن يصح إطلاقها على الله عز وجل من باب الخبر، ومن هذا الباب يصح ترجمة معاني أسماء الله في أي من الألفاظ السابقة وغيرها، وأهم شيء ألا يدل هذا اللفظ على نقص أو ذم، وإنما يدل على معنى حسن أو على أقل تقدير لا يجوز على معنى سيئ، فيقال مثلاً: الله عز وجل شيء موجود، ويمكن أن يقال: واجب الوجود، وقد ذكر أهل العلم في ضمن ردودهم على الفرق الضالة ذكر بعض الأمور التي أضافوها إلى الله سبحانه وتعالى ولم يرد فيها نص من القرآن أو السنة، لكنهم لم يدرجوها على أنها أسماء من أسماء الله أو على أنها صفات من صفاته، وإنما أضافوها على سبيل الخبر والحكاية، ولهذا هناك قاعدة، وهي أن باب الخبر واسع، وباب الصفات أضيق منه، وباب الأسماء أضيق من باب الصفات.
ومن جملة الفروق بين الأسماء والصفات من جهة وبين الخبر من جهة أخرى، هو أن الأسماء والصفات توقيفية، يعني: مبنية على النص من القرآن ومن السنة، بينما الخبر ليس مبيناً على النص، لكنه مبني على المعنى الصحيح الثابت لله سبحانه وتعالى، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن الاسم يدعى به؛ فيقال: يا عزيز يا كريم، لكن ما يخبر به عن الله لا يدعى به، فلا يقال: يا واجب الوجود مثلاً.
كما أن الأسماء والصفات جميعاً قد بلغت الغاية في الحسن، بينما الأخبار لا يشترط أن تكون حسنة بمعنى: لا يشترط أن تكون أحسن ما يكون من الألفاظ، وإنما أهم شيء أن تدل على المعنى بغير تضمن للنقص وللإساءة، وإنما تدل على المعنى الصحيح، مثل الموجود فيصح أن يحكى عن الله عز وجل بأنه موجود، بينما كلمة موجود لا تتضمن مدحاً ولا تتضمن معنى حسناً، لكن يصح أن يخبر عن الله عز وجل بها، ولهذا قد يستغرب بعض طلاب العلم عندما يقرأ كلاماً -مثلاً- لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيه إن الله عز وجل واجب الوجود وإنه قديم أزلي، ويحكي عنه بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة.
وذلك أن باب الأخبار واسع وأهم شيء هو أن يكون المعنى صحيحاً، وفيها ترجمة لأسماء الله سبحانه وتعالى، ويصح ترجمة أسماء الله لغير العرب وتقريب معانيها إلى أفهامهم بألفاظ ليست واردة في القرآن وليست واردة في السنة مادامت دلت على معنى صحيح.
المسألة الثالثة : عدد الأسماء الحسنى:
ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة، وإن الله وِتْرٌ يُحبّ الوتْر) .
وقد توهم بعض الناس من هذا الحديث أن عدد أسماء الله هو تسعة وتسعون اسما.
ويدل على بعد هذا التوهم ما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحداً قط همّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدُك، ابن عبِدك، ابن أمتِك؛ ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمتْهُ أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أنْ تجعل القرآن ربيع قلبي، ونُورَ صدري، وجلاء حُزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً) .
وقد رام الأشقر الجمع بين الحديثين فقال "والحق الذي ينبغي أن يصار إليه أنّ عدد الأسماء التي عرّفنا الله إياها في كتابه، أو ذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم، تسعة وتسعون لا تزيد، لنصّ الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا العدد، ولقوله: (مَنْ أحصاها) ، وأنّ ما زاد على هذه التسعة والتسعين فهو مما لا نعرفه، لأنّه من مكنون علم الله أو مما اختص الله به بعض خلقه، وإلا فما فائدة تحديد عدد أسماء الله بتسعة وتسعين؟!" وهذا وهم منه رحمه الله رده جمع من أهل العلم ، فقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 22/486 أن أسماء الله الحسنى المذكورة في الكتاب والسنة تفوق هذا العدد
حيث إن الحديث الذي رواه الترمذي وهو ضعيف عندهم لم يشتمل على كل الأسماء إذ ويوجد غيرها ومثل لها شيخ الإسلام بالأسماء التالية: الوتر، الجميل الطيب النظيف الرب المنان الشافي ، أما الحصر في التسعة والتسعين فذلك حتى يجتهد العبد ويتعرف على ربه أكثر فأكثر.
قال ابن القيم رحمه الله:"
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ للَّه تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة" فالكلام جملةٌ واحدةٌ، وقوله: "من أحصاها دخل الجنة" صفة لا خبرٌ مستقلٌ. والمعنى له أسماءٌ متعددةٌ من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أنَّ يكون له أسماءٌ غيرها، وهذا كما تقول: لفلان مائةُ مملوكٍ قد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أنْ يكون له مماليكٌ سواهم معدين لغير الجهاد، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه"
المسألة الرابعة : أقسام صفات الله
وفيه ثلاثة فروع. الفرع الأول الصفات الذاتيةالفرع الثاني الصفات المعنوية، الفرع الثالث الصفات الفعلية
الصفة هي: ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من أمور ذاتية أو معنوية أو فعلية.
ويمكن أن نجمل صفات الله عز وجلفي ثلاثة فروع:
الفرع الأول الصفات الذاتية: هي التي تكون ملازمة لذات الخالق أي أنه متصف بها أزلاً وأبداً ومثالها صفة الحياة فهي صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال حياً،
ويندرج تحت الصفات الذاتيةالصفات الخبرية أو السمعية لأنه لا طريق لنا للعلم بها إلا الخبر الصحيح عن الله أو رسوله عليه الصلاة والسلام كصفة اليدين- الوجه- العينين- الأصابع.
وقد ورد بكل منها نصوصصحيحة.وهوالفرع الثاني.
الفرع الثالث الصفات الفعلية:هي التي تتعلق بمشيئة الله فيفعلها تبعاً لحكمته - سبحانه وتعالى -.كالنزول- الاستواء- الخلق- الرزق.
وهذه التقسيمات وإن لم تكن معروفة عند السلف إلا أن أهل العلم وضعوها لتقريب الفهم للناس.
المسألة الخامسة: حقيقة الإيمان بالأسماء الحسنى
وفيه فروع
الفرع الأول: تفهم معانيها.
وذلك بمعرفة معنى الاسم في اللغة العربية والصفات الجليلة التي يتضمنها بالرجوع إلى التفاسير السلفية والمعاجم اللغوية وقد يكون للاسم أكثر من معنى .
الفرع الثاني: دعاء الله بها.
مصداقا لقوله تعالى :"ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها "وذلك باختيار الاسم المناسب للموضع المناسب وهذا هو منهج القرآن وطريقة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى :" قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"القص /16
قال تعالى :" وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) ولا يخفى عليك أيها القارئ الكريم أن من معاني اسم الله السميع أنه مجيب الدعاء، ومنه قول المصلي سمع الله لمن حمده أي: استجاب الله لمن حمده.
وعَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضى الله عنه -. أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِىصَلاَتِى. قَالَ «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِى إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
الفرع الثالث: محاولة الاتصاف بها .
وذلك ما لم يرد نهي عن ذلك كصفة الكبرياء أو لم يمكن ذلك أصلا كصفة الخلق.
والاتصاف بصفات الله من اتباع طريق الله المستقيم فالله تعالى متصف بالكمال وقد حثنا في غير موضع بذلك إما تصريحا أو تلميحا ومن الأمثلة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ". أخرجه ابن ماجه وهو صحيح
فمن هنا كانت نهاية صلاة النهار بوتر المغرب واستحب النبي عليه الصلاة والسلام الإيتار في الشرب والأكل وهكذا.
الفرع الرابع : الحلف بها ، وفيه بحث حول دعاء الصفة المجردة عن الاسم.
إن الحلف بأسماء الله تعالى هو الأصل والحلف بالصفات جائز لأنه من باب تعظيم الله عز وجل .
قال الشيخ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ
مسألة دعاء الصفة المجردة عن الاسم: ورد في معجم المناهي اللفظية حول ما إذا دعا شخص فقال يا رحمة الله ارحميني فقال الشيخ:"يا رحمة الله:هذا من باب دعاء الصفة، والدعاء إنما يُصرف لمن اتَّصف بها سبحانه؛ لهذا فلا يجوز هذا الدعاء، ونحوه: يا مغفرة الله، يا قدرة الله، يا عزة الله، وليس له تأويل، ولا محمل سائغ، وهو دعاء محدث لا يعرف في النصوص، ولا أدعية السلف. وإنما المشروع هو: التوسل بها كما في الحديث: ((برحمتك أستغيث)) ونحوه، وقد غلَّظ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- النهي عن الدعاء بالصفة، وقال: إنَّه كُفر.
ولا يُسوِّغُ الدعاء بالصفة، جوازُ الحلفِ بها، فإن الحلف بها من باب التعظيم، أما الدعاء، فهو عبادة، والعبادة لا تصرف إلا لله تعالى، فكيف تُعبد صفته - سبحانه - فتُدعى؟
ومما تقدم نعلم الأحوال الثلاث:
1. دعاء الصفة: لا يجوز؛ لأن الدعاء عبادة والعبادة لا تصرف إلا لله سبحانه.
2. التوسل إلى الله بصفاته أو بصفة منها: مشروع، كما وردت به السنة، وأدعية السلف.
3. الحلف بها: جائزة؛ لأنه من باب التعظيم لله - سبحانه -.
والله أعلم." اهـ
المسألةالسادسة: تعليق الأسماء الحسنى .للزينة والتحرز.
أولا " سئل الإمام مالك عن المساجد، هل يُكره أن يكتب في قبلتها بالصبغ مثل آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين ونحوها فقال: " أكره أن يكتب في قبلة المسجد شيء من القرآن والتزويق وقال إن ذلك يشغل المصلي وكذلك ينبغي له أن يغير ما أحدثوه من إلصاق العمد في جدار القبلة وفي الأعمدة أو ما يلصقونه أو يكتبونه في الجدران والأعمدة وكذلك يغير ما يعلقونه من خرق كسوة الكعبة في المحراب وغيره فإن ذلك كله من البدع لأنه لم يكن من فعل من مضى"
انتهى من كتاب "المدخل" لابن الحاج (2/215)
وقد شدد العلماء في تعليق القرآن الكريم ورخصوا في الأدعية والأذكار بشروط والذي يعلق الأسماء الحسنى لا يخلو من أمرين
الأول لغرض التزيين وهذا في الحقيقة لا ينبغي فعله لأنه ليس من التعبد بها في شيئ ثم هي عرضة للامتهان فقد تكون في قاعة الضيوف وقد يبث في التلفاز ما ينافيها.
الثاني : لغرض التحرز بها وهذا من باب تعليق التمائم وهو غير جائز وقد سبق لي في هذا المنتدى نشر مقال بعنوان تعليق التمائم .
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.