وإياكِ أمة الحليم وبارك الله فيك
قال:(وقول الله تعالى: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}).
الظلم هنا: هو الشرك، كما جاء في تفسير ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟! فقال: ليس الذين تذهبون إليه، الظلم: الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح:{ إن الشرك لظلم عظيم}.
فالظلم هنا - في مراد الشارع -: هو الشرك، فيكون مقصود الشيخ من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب: بيان فضل من آمن ووحّد، ولم يلبس إيمانه وتوحيده بشرك، وأن له الأمن التام، والاهتداء التام؛ فهذا هو وجه مناسبة الآية للباب.
ومعنى الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.
وجاء الظلم في الآية مُنَكَّرًا، في سياق النفي، وهو قوله تعالى: {ولم يلبسوا}، وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، لكن هل المراد بالعموم هنا العموم المخصوص، أو العموم الذي يراد به الخصوص؟
الجواب: أن المراد بالعموم هنا: هو العموم الذي يراد به الخصوص؛ لأن العموم عند الأصوليين تارة يكون باقيا على عمومه، وتارة يكون عموما مخصوصا يعني دخله التخصيص، وتارة يكون عموما مرادا به الخصوص، يعني أن لفظه عام، ولكن يراد به الخصوص، فهذه أوجه ثلاثة، والوجه الأخير هو الذي أراد الشيخ - رحمه الله - الاستدلال به من الآية.
صحيح أن (الظلم) هنا جاء نكرة في سياق النفي (لم): فيدل على العموم، لكنه عموم مراد به الخصوص؛ وهو خصوص أحد أنواع الظلم وهو الشرك، فيصير العموم في أنواع الشرك، لا في أنواع الظلم كلها؛ لأن من أنواع الظلم: ظلم العبد نفسه بالمعاصي، أو ظلم العبد غيره بأنواع التعديات، ومنه ما هو ظلم من جهة حق الله - جل وعلا - بالشرك به، فهذا هو المراد بهذا العموم، فيكون عاما في أنواع الشرك.
وبهذا يحصل وجـه الاستدلال مـن الآية، فيكون معنـى الآية: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم} يعني لم يلبسوا توحيدهم بنوع من أنواع الشرك.
{أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} فـ (الأمن) هنا: هو الأمن التام في الدنيا، والمراد به أمن القلب وعدم حزنه على غير الله - جل وعلا - والاهتداء التام في الدنيا وفي الآخرة، وكلما وجد نقص في التوحيد بغشيان العبد بعض أنواع الظلم الذي هو الشرك، إما الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي، وسائر أنواع الشرك، ونحو ذلك، ذهب منه من الأمن والاهتداء بقدر ذلك. هذا من جهة تفسير الظلم بأنه الشرك.
فإذا فَسَّرْتَ الظلم بأنه جميع أنواع الظلم - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يكون - على هذا التفسير - مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم، فكلما انتفى الظلم: وُجد الأمن والاهتداء، وكلما كمل التوحيد وانتفت المعصية: عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم: قَلَّ الأمنُ واهتداء بحسب ذلك.