دور «ابن سلام الجمحى» فى تمييز صحيح الشعر الجاهلى من زائفه :



كان «ابن سلام» ت231هـ من أوائل من تصدوا لمسألة الانتحال وعرض لأسبابها وذكر كثيرًا من الشعر الزائف المنتحل في كتابه "طبقات فحول الشعراء".
وذكر «ابن سلام» أن من أسباب الانتحال حدوث التصحيف فيما سجل من شعر فى بعض الصحائف خصوصًا قبل اختراع النقط والتشكيل ، ولهذا السبب كانوا يقدمون الرواية على الكتابة فى حفظ الشعر الجاهلى .


من جهوده فى التصدى للمنتحلين تصديه لابن اسحاق صاحب السيرة على النحو الآتى :



o رفض اعتذار ابن اسحاق عن عدم علمه بالشعر.

o وأنكر عليه تسجيله لكل ما يحمل إليه منه دون تمحيص .
o بين كذبه فيما نسبه من شعر إلى رجال ونساء لا علاقة لهم بالشعر.
o وفيما نسبه من شعر إلى عاد وثمود .
o دعاه وأمثاله إلى ضرورة التمحيص والتفكير قبل رواية الشعر وإثباته .

- تصدى للرواة الوضَّاعين والقصَّاصين الذين كثروا فى العصر الأموى بتشجيع من الخلفاء الراغبين فى التسلية دون تثبت مما يحكون .

- لم يكن يقبل أو يُثبت من أشعار الجاهليين إلا ما ثبتت صحته وفق منهج فى تمحيص وتمييز صحيح الشعر من زائفه ألزم نفسه به .. ووفقًا لهذا المنهج الصارم :
o أشار إلى أشعار انتحلت على طرفة وعبيد بن الأبرص .. وكلاهما مقل ..
o أثبت أن عبيد بن الأبرص لا يصح له إلا معلقته التى أولها : أقْفَر من أهلِه مَلْحُوبُ فالقُطَّبيَّاتُ فالذُّنُوبُ
o نفى ما أضيف من شعر إلى حسان بن ثابت .
o أثبت أن هناك شعرًا منحولاً على «أبى طالب» فى مدح النبى e .
o بين أن هناك شعرًا قاله شاعر ونسب لآخر.
O وضرب على ذلك مثلاً يبيت نسب إلى النابغة وهو ليس من شعره.
O حذر من الرواة المشتهرين غير الموثوق فى أخلاقهم كحماد الراوية.

- وبين أن من أسباب الانتحال:

1- تكثر بعض القبائل وتزيُّدها فى الأشعار لتضيف لنفسها مكانة وعزًا بين القبائل وضرب لذلك مثلاً بتزيد قريش فى أشعار حسان بن ثابت.
2- وذكر أن التزيد فى شعر بعض القبائل كان يقوم به بعض الرواة المتأخرين أحيانًا - وهذا مما يسهل كشفه وزيفه من خلال العلماء بالشعر وأخبار القبائل .ويلمح ابن سلام بصفة خاصة إلى محمد بن إسحق، مؤلف "السيرة النبوية"، بوصفه، واحداً من أولئك "الصُحفيين"، ويتهمه بإفساد الشعر وتهجينه.
3- وأحيانًا كان يقوم به بعض أبناء القبيلة نفسها وهذا مما يصعب كشفه والتصدى له .

- وعلى أية حال : فلم يكن ابن سلام وحده فى ميدان الحفاظ على الشعر الجاهلى الصحيح ، فقد كان هناك كثيرون غيره قاموا بمثل هذا الدور مما يجعلنا نطمئن إلى ما وصلنا من روايات لهذا الشعر رافضين ما وجه إليه من اتهامات عند مرجليوث والدكتور طه حسين وغيرهما .أهـ



محاضرات فى الأدب الجاهلى