قال ابن الوزير اليماني - رحمه الله -
ومن المنقول في ذلك عن فضلاء السّلف والخلف: ما اشتهر عنهم من وصفهم لأنفسهم بمقارفة الذّنوب والوقوع في المعاصي.
فروى الأعمش عن إبراهيم التّيمي عن أبيه قال: قال عبد الله ..-يعني ابن مسعود-:
(لو تعلمون ذنوبي ما وطيء عقبي اثنان,ولحثيتم على رأسي التراب, ولوددت أنّ الله غفر لي ذنباً من ذنوبي وأني دعيت: عبد الله بن روثة)
وروى الأعمش عن إبراهيم التّيمي عن الحارث بن سويد قال: أكثروا على عبد الله يوماً فقال: (والله الذي لا إله غيره لو تعلمون [علمي] لحثيتم التّراب على رأسي)
قال الذّهبي في (النبلاء): (روي هذا من غير وجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه -)
قلت: هذا؛ وقد روى علقمة عن أبي الدرداء أنّه قال: ((إنّ الله أجار ابن مسعود من الشّيطان على لسان نبيّه).
وجاء من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (لو كنت مؤمّراً أحداً من غير مشورة لأمّرت ابن أم عبد) وجاء عنه - عليه السلام -: (اهتدوا بهدي عمّار وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد)
وقال - عليه السلام -: (رضيت لأمّتي ما رضي لها ابن أم عبد) رواه الثّوري وإسرائيل عن منصور وأجمعت الأمّة على صحة حديثه وجلالة قدره.
فإذا كان مثل هذا الصّاحب الجليل يقسم بالله الذي لا إله إلا هو: لو يعلم النّاس ذنوبه لحثوا على رأسه التّراب, فكيف يشترط في العدل أن لا تبدو منه هفوة ولا يقع في معصية؟!.
وأعظم من هذا سؤال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -لحذيفة, هل هو منافق؟ وقول حذيفة بعد تزكيته: لا أزكّي بعدك أحداً
ولم يخف/ عمر - رضي الله عنه - من النّفاق الذي هو الشّكّ في الإسلام, فإنّه يعلم براءة نفسه منه, بل نحن نعلم براءته - رضي الله عنه -[منه] بما شهد له به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل الكثيرة, والمناقب الكبيرة
وإنّما خاف - رضي الله عنه - من صغائر النّفاق الذي هو: خلف الموعد, وخيانة الأمانة, والكذب في الحديث, فإنّ المؤمن الورع قد يدخل عليه من صغائر بعض هذه الخصال ما يدقّ ولا يتفطّن له, وربما كان الغير أبصر بعيب الإنسان منه.
وربّما قصد عمر تنبيه ضعفاء المسلمين على تفقّد أنفسهم, وجعل لهم بنفسه الكريمة أسوة حسنة حيث أتّهمها على أمر عظيم. وقد كان عمر - رضي الله عنه - إماماً في التّقوى والمراقبة, شديد المناقشة لنفسه والمحاسبة, وقد قال لبعض الصحابة: كيف وجدتموني؟
[قالوا] :صالحاً, ولو زغت لقوّمناك. فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا زغت قوّموني أو كما قالا.
فهذا كله -وأمثاله مما يطول ذكره- يردّ على من يتعنّت, ويقدح على كثير من العلماء بأشياء يسيرة لا تدلّ على تجرّيهم على تعمّد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم
الروض الباسم ص58