الشيخ الدكتور / محمود الطحان غفر الله له
ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة " ( ج12 / ص 650 ) عند تعليقه على حديث
" ( إن فيهم ( يعني : قريشاً ) لخصالاً أربعةً : إنهم أصلح الناس عند فتنةٍ ، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبةٍ ، وأوشكهم كرة بعد فرةٍ ، وخيرهملمسكين ويتيم ، وأمنعهم من ظلم الملوك ) .
منكر . أخرجه الطبراني في (( المعجم الأوسط )) ( رقم 207 - بترقيمي ) ، ومن طريقه أبو نعيم في(( الحلية )) ( 8 / 329 ) قال : حدثنا أحمد بن رشدين قال : نا عبد الملك بن شعيب بنالليث قال : ثنا عبد الله بن وهب قال : الليث بن سعد قال : حدثني موسى بن علي بن رباحعن أبيه قال : قال المستورد الفهري : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: - وذكر قريشاً - فقال : . . . فذكره . وقال الطبراني :
(( لم يروه عن الليث إلا ابن وهب ، تفرد به عبد الملكبن شعيب بن الليث )) .
قلت : هو ثقةمن شيوخ مسلم ، وكذا من فوقه هم من رجاله ، وإنما آفة الحديث شيخ الطبراني أحمد بنرشدين ، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري ؛ قال الذهبي في (( الميزان)) :
(( قال ابن عدي : كذبوه ، وأنكرت عليه أشياء . قلت: فمن أباطيله . . . )) ؛ فذكرله حديثاً في فضل الحسن والحسين .
قلت : لكن فوقه واهٍ ؛ كما قال الذهبي نفسه ، وآخر ضعيف ، فلا يصلح تعصيب الجناية بابن رشدينهذا ، بخلاف حديث الترجمة ؛ فهو الآفة . ويدلك على ذلك أمور :
أولاً : ماتقدم من تكذيب العلماء له ، وقد يكون الكذب منه عن غير قصد .
ثانياً : ذكرفي أول الحديث ( خصالاً أربعة ) ، فلما ساقها جعلها خمسة ، فهذا
يدل -على أحسن الاحتمالات - أنه يخلط في حفظه ، فيمكن أن يكون هو السبب الذي حمل العلماءعلى تكذيبه ، ومن التأويل القبيح قول المعلقين على (( الجامع الكبير )) ( 6312 ،6798 ) :
(( ذكر خمس خصال لا أربع ، ولعله أدخل بعضها في بعض)) !
ولو علموا آفة الحديث لما تكلفوا مثل هذا التأويل ، ولتذكروا قول بعضهم : ( هذا الميت ما يستحقهذا العزاء ) !
ونحوه:
قول الدكتورالمعلق على (( المعجم الأوسط )) ( 1 / 165 ) :
(( لم يذكر الهيثمي قوله : (( وخيرهم لمسكين ويتيم)) وهو المناسب ؛ لأنه بذكرهم ( ! ) تصبح الخصال خمساً لا أربعاً )) !
قلت :
هذه الجملة ثابتة في الرواية عند الطبرإني وأبي نعيموفي (( الجامع الكبير )) كما تقدم ، ولو كان الدكتور على علم بهذا الفن الشريف لجعل ما فيهمن الاختلاف بين العدد والمعدود دليلاً آخر على ضعف الحديث ، غير ضعف راويه ابن رشدين الذي نقله عن الهيثمي (10 / 26 ) ، ولكن هيهات ! ! فإن فاقد الشيء لا يعطيه ، ولذلك ؛ فهو للهيثمي أتبع منظله ! وإن مما يدلك على ذلك : أنه علق على قوله في آخر الحديث : (( ظلم الملوك )) ،فقال :
(( في (( مجمع الزوائد )) : (( المملوك )) بدل (( الملوك )) وهو الأوجه )) !
فأقول: كلا ؛ بل الصواب ما في (( المجمع )) ؛ فإنه كذلك في المصدرين الآخرين اللذين سبقذكرهما ، ثم هو مطابق لرواية مسلم وغيره الآتية فيما يلي :
ثالثاً: أن ابن رشدين قد خولف في متنه من الإمام مسلم وغيره ؛ فأوقفوه على
عمرو بن العاص رضي الله عنه :
فقال في (( صحيحه )) ( 8 / 176 ) : حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث : حدثني عبدالله بن وهب : أخبرني الليث بن سعد : حدثني موسى بن علي عن أبيه قال : قالالمستورد القرشي عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( تقوم الساعة والروم أكثر الناس )) .
فقال له عمرو : أبصر ما تقول ! قال : أقول ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليهوسلم - قال : لئن قلت ذلك ؛ إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ،وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ،وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك )) .
وأخرجه أحمد ( 4 / 230 ) من طريق أخرى عن ليث بن سعد به ؛ إلا أنه لم يذكر خصلةالإفاقة ، وقال في الخصلة الأخيرة : (( والرابعة حسنة جميلة : وإنهم لأمنع الناسمن ظلم الملوك )) .
وأخرجه الطبراني في (( الأوسط )) ( 8831 ) من طريق عبد الله بن صالح : حدثني الليثبه . وقال :
(( لا يروى عن المستورد إلا بهذا الإسناد ، تفرد به موسى بن علي )) .
كذا قال ، ولعله يعني بهذا التمام ، وإلا ؛ فقد أخرجه هو في (( المعجم الكبير )) (20 / 309 / 736 ) ، ومسلم أيضاً من طريق عبد الله بن وهب : حدثني أبو شريح : أنعبد الكريم بن الحارث حدثه : أن المستورد القرشي قال ؛ سمعت رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - : . . . فذكر المرفوع ، وفيه : فقال عمرو :
(( لئن قلت ذلك ! إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأجبر ( وقال الطبراني
وأصبر) الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم ولضعفائهم )) .
والمرفوع له أخرجه الطبراني ( 737 ) من الوجه الأول من طريق أخرى عن الليث به .
ومن هذا التخريج يتبين أن ابن رشدين أخطأ في أمور :
الأول : رفع الحديث ! وهو موقوف .
الثاني : جعله من رواية المستورد ! وهو من قول عمرو .
الثالث : جعله في قريش ! وهو رضي الله عنه إنما قاله في الروم !
الرابع : أسقط منه قوله : (( وخامسة حسنة جميلة . . . )) !
فجاءالإشكال الذي حكيناه عن المعلقين على (( الجامع الكبير )) وعلى (( المعجم الأوسط)) ، ولم يحسنوا الإجابة الصحيحة ؛ لقلة بضاعتهم في هذا العلمالشريف
، فكان ذلك من دواعي هذا التحقيق .
( تنبيه ) : قوله : (( إفاقة )) ؛ هكذا الحديث في (( الأوسط )) ، وفي (( مجمعالبحرين )) ، و (( مجمع الزوائد )) ( 10 / 26 ) ؛ وهو الصواب . ووقع في (( الحلية)) لأبي نعيم : (( إقامة )) ! وهو تحريف ، وكذلك وقع في (( الجامع الكبير )) منرواية (( الحلية )) ، فكأنه خطأ وقع فيه من قديم