الشيخ /أحمد الغماري رحمه الله تعالى
ذكره الشيخ الألباني رحمه اللهفي " الضعيفة" عند تعليقه على حديث ( إذا صلى أحدكم ، فلم يكن بين يديه ما يستره ؛ فليخط خطاً ، ولا يضره مامر بين يديه ) .
ضعيف (*) .
أخرجه أبو داود والطيالسي في (( مسنده )) ( 2592 ) : حدثنا همام عنأيوب بن موسى عن ابن عم لهم كان يكثر أن يحدثهم عن أبي هريرة أن النبي - صلى اللهعليه وسلم - قال : . . . فذكره .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ علته ابن العم هذا ؛ فإنه لم يسم ، فهو مجهول العين .
وأيوب بن موسى ؛ إن كان هو الغافقي ؛ فإنه من هذه الطبقة ، فهو ثقة عند ابن معينوابن حبان ، وروى عنه جماعة من الثقات ، ومع ذلك ؛ بيض له الذهبي في (( الكاشف ))، وقال الحافظ في (( التقريب )) :
(( مستور)) .
وإن كان غيره ؛ فلم أعرفه .
وهمام: هو ابن يحيى البصري ، وهو ثقة من رجال الشيخين .
والخلاصة: أن علة هذا الإسناد شيخ أيوب الذي لم يسم ، وقد سماه إسماعيل بن أمية في روايته عنأبي عمرو بن محمد بن حريث : أنه سمع جده حريثاً يحدث عن أبي هريرة به .
أخرجهأبو داود وغيره . وقد اضطرب الرواة على إسماعيل هذا في إسناده اضطراباً شديداً علىوجوه شرحتها في (( ضعيف أبي داود )) ( 107 - 108 ) ، ولذلك (( ضعفه جمع من الأئمة وغيرهم؛ بل قال الإمام مالك :
(( الخط باطل )) .
فلا نعيدالكلام هنا ، والشاهد منه أن حريثاً هذا مجهول ، وكذلك حفيده أبو عمرو ؛ كما في ((التقريب )) للحافظ ، فالعجب منه كيف تغاضى عن هذه العلة الواضحة فحسّن الحديث في(( بلوغ المرام )) قائلاً :
(( وصححه ابن حبان ، ولم يصب من زعم أنه مضطرب ،بل هو حسن )) !
وأقول: أنى له الحسن وفيه المجهولان باعترافه ! هذا لو سلمنا بأنه غير مضطرب ، وقد أعلهبه شيخه الحافظ العراقي ، ومن قبله ابن الصلاح وغيرهما ؛ كما تراه مبيناً في المصدرالمذكور آنفاً . وقد شرح الحافظ وجهة نظره في نفي الاضطراب في كتابه (( النكت على ابن الصلاح )) ( 2 / 772 - 774 ) بما لا فائدة كبرى من نقله ومناقشته ، لكن المهم منه قوله:
((( تنبيه ) : قول ابن عيينة لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث ، ولم يجئ إلا منهذا الوجه )) ؛ فيه نظر ؛ فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري ، وفيإسناده أبو هارون العبدي ، وهو ضعيف ))
قلت وهذا منه عجب أيضاً من ناحيتين :
الأولى : أنه ألان القول في العبدي هذا ، واسمه عمارة بن جوين - ، وهو أسوأ
مما ذكر ؛ فقد قال فيه في (( التقريب )) :
(( مشهور بكنيته ، متروك ، ومنهم من كذبه )) .
والأخرى : أنه يعلم أن من شرط الشاهد أن لا يشتد ضعفه ، وهذا مفقود هنا
كما ترى .
على أنه قد روى معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال :
(( كنا نستتر بالسهم والحجر في الصلاة ، أو قال : كان أحدنا يستتر بالسهم والحجرفي الصلاة )) .
وروى جعفر بن سليمان عنه قال :
قلت لأبي سعيد الخدري : ما يستر المصلي ؛ قال : مثل مؤخرة الرحل ، والحجر يجزئ ذلك، والسهم تغرزه بين يديك )) .
أخرجهما عبد الرزاق في (( المصنف )) ( 2 / 13 - 14 ) . ثم قال الحافظ :
(( ثم وجدت له شاهداً آخر - وإن كان موقوفاً - أخرجه مسدد في (( مسنده الكبير ))قال : ثنا هشيم : ثنا خالد الحذاء عن إياس بن معاوية عن سعيد بن جبير قال :
((إذا كان الرجل يصلي في فضاء ؛ فليركز بين يديه شيئاً ؛ فإن لم يكن معه شيء ؛ فليخط خطاً في الأرض )) .
(( رجاله ثقات )) .
قلت : فيه أولاً : الصواب بأن يقال فيه : (( مقطوع )) ؛ لأنه موقوف على التابعي؛ كما هو معروف في علم المصطلح .
وثانياً : هو أن يكون علة في الحديث أقرب من أن يكون شاهداً له ؛ لأنه لو كان موقوفاًعلى صحابي الحديث ، لكان علة ظاهرة فيه ، فكيف به وهو مقطوع ؟ ! فتأمل .
على أنه قد روي عن أبي هريرة موقوفاً كوجه من وجوه الاضطراب فيه ؛ ولكنه وجه مرجوح، كما بينته هناك .
ثم قال الحافظ :
(( ولهذا صحح الحديث ابن حبان والحاكم وغيرهما )) .
قلت : تساهلهما في التصحيح والتوثيق مما لا يخفى على طلاب هذا العلم ؛ فضلاً عنالحافظ ! هذا إذا لم يكن هناك علة ظاهرة تدفع التصحيح ، فكيف بها وهي قائمة باعترافالحافظ كما سبق ؟ ! على أن عزوه للحاكم فيه نظر ؛ فإننا لم نره في (( مستدركه )) -وهو المقصود عند إطلاق العزو إليه - بعد مزيد البحث عنه فيه ، ولا جاء ذكره في فهرسته الذي وضعه المعاصرون .
ثم قال الحافظ :
(( وذلك مقتضٍ لثبوت عدالته عند من صححه، فما يضره مع ذلك أن لا
ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته . والله تعالى أعلم )) .
أقول : الشطر الأول من هذا الكلام مسلّم لا غبار عليه ، ولكن ذلك مما لا ينفق
في النقاش العلمي القائم علي قواعد علمالحديث ؛ لما سبق بيانه آنفاً من تساهل ابن حبان والحاكم .
وأما الشطر الثاني منه ؛ فجوابنا عليه :
نعم ؛ لا يضر ذلك إذا عرفت ذاته ؛ ولكنها فرضية تخالف واقع الراوي ؛ بل الراويين؛ فإنهما مجهولان حتى عند الحافظ كما تقدم.
فسامحه الله ! لقد كان بحثه حول هذا الحديث على خلاف ما نعهده منه من العلم والتحقيق، حتى لكأنه ابن حجر آخر !
وجاء من بعده الشيخ الغماري : أحمد ، فأخرجه في كتابه : (( الهداية في تخريج أحاديث البداية )) ( 2 / 392 - 393 ) تخريجاً مختصراً جداً ، يحسن كثير من الطلبة خيرا ًمنه، وقال عقبه مغتراً بتحسين الحافظ له :
(( وصححه ابن حبان وغيره ، وحسنه الحافظ ، وضعفه بعض المتقدمين؛ لصورة الاضطراب الواقع في إسناده ؛ لكنه عند الطيالسي من وجه آخر .
والحديث صحيح كما قال ابن حبان )) !
كذا قال ! وأظن أنه - كغيره - لم يعط لهذا البحث حقه من المراجعة والتحقيق ، وإلا؛ لما خفي عليه - على الأقل - الجهالة التي في سند ابن حبان ، ومن قرنهم معه ، وتشبثه بالوجه الآخر عند الطيالسي لا يفيده شيئاً ؛ لجهالة تابعيه ، الذي يمكن أن يكون هوعين حريث الذي في طريق الآخرين كما تقدم .