[ الشيخ الأخ / عدنان بن محمد العرعور ]
ذكره الشيخ الألباني في " الضعيفة " ( ج13/ 453 ) عند تعليقه على حديث "
" (إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِاسْتِخ َارَتُهُ لِرَبِّهِ، وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى، وَإِنَّ
من شَقَاوَةِ الْعَبْدِ تَرَكُهُ الاسْتِخَارَةَ، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى) .
ضعيف.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده"(2/60/701) - والسياق له -، والبزار
أيضاً (1/359/750) من طريق عمر بن علي بنعطاء بن مقدَّم عن عبد الرحمن
ابن أبي بكر بن عبيد الله عن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده: أن رسول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن
ابن أبي بكر، وهو: المليكي، وهو ممن اتفقواعلى تضعيفه، بل ضعفه جداً جمع
من الأئمة، منهم البخاري، فقال في"التاريخ " (3/1/260) :
"منكر الحديث ". وكذا قال النسائي.وفي رواية عنه:
"ليس بثقة". وقال ابن حبان في"الضعفاء" (2/52) :
"منكر الحديث جداً؛ ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، فلا
أدري كثرة الوهمفي أخباره منه أو من ابنه؟ على أن أكثر روايته ومدار حديثه يدور
على ابنه، وابنه فاحش الخطأ، فمن هنا اشتبه أمره، ووجب تركه ".
قلت: وثمة علة خفية،وهي تدليس عمر المقدمي هذا، فإنه مع ثقته واحتجاج
الشيخين بحديثه،فمن الصعب جداً الاحتجاج بحديث له خارج "الصحيحين "،
ولو صرَّح بالتحديث؛لأنه كان مدلساً كما نص عليه جمع من الأئمة، وكان
تدليسه خبيثاً غريباً من نوعه، سماه بعضهم: تدليس السكوت!وقد بينه ابن
سعد فقال في "الطبقات " (7/291) :
"وكان ثقة، وكان يدلس تدليساً شديداً: يقول:"سمعت " و"حدثنا"، ثم
يسكت، ثم يقول: "هشام بن عروة"، "الأعمش"!يوهم أنه سمع منهما، وليس
كذلك ". انظر "الباعث الحثيث ".
ولذلك قال ابن أبي حاتم (3/1/ 125) عن أبيه:
"محله الصدق، ولولا تدليسه؛ لحكمنا له - إذا جاءبزيادة - غير أنا نخاف
بأن يكون أخذه عن غير ثقة".
قلت: وهذا هو الذي أخشاه: أن يكون تلقاه عن راوٍ ضعيف ثم أسقطه، فقد
تقدم في جرح ابن حبان لعبد الرحمن بن أبي بكر شيخ عمربن علي المقدمي
هذا: أن مدار حديثه على ابنه ... .
واسم الابن هذا. محمد بن عبد الرحمن الجدعاني، وهو متروك كما قال
الحافظ في "التقريب "، فلربما كان هذا هو الواسطة بين أبيه وبين المقدمي فدلسه.
والله أعلم.
وبالجملة: فهذه علة ثانية لهذا السند خفيت على بعض إخواننا الناشئين في
هذا العلم، وكان هذا من دواعي تخريجهذا الحديث من هذه الطريق، فقد كنت
خرجته من طريق أخرى ضعيفة أيضاً فيماسبق (4/377/1906) .
ذلك أنني وقفت على بحث للأخ عدنان عرعور بعنوان "صلاة الاستخارة"
في مجلة "المجاهد" (السنةالثالثة/ العدد 27/ رجب سنة 1411) ، ذهب فيه إلى
تحسين الحديث بمجموع الطريقين؛ محتجاًبأن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي هو
في جملة من يكتب حديثه - كما قال ابن عدي - قال:
"فمثل هذا يصلح أن يكون متابعاً لمحمد بن أبي حميد؛فيكون الحديث
حسناً. والله أعلم ".
قلت: كان يمكن أن يكون الأمر كما قال: لو أن المليكي ليس فيه من الجرح إلا
ما ذكره عن ابن عدي، أما والأمر ليس كذلك؛ فالتحسين مردود بتجريح الإمام
البخاري، ومن ذكرنا معه للمليكي تجريحاً شديداً كما تقدم،فهل يجوز إهدار أقوالهم
والاعتماد على قول ابن عدي فقط مع كونه متأخراً عنه معلماً وطبقة، مع استحضار
أن من كان شديد الضعف لا يتقوى به؟! أم هي الحداثة فيهذا العلم الشريف؟
هذا أولاً.
وثانياً: لو سلمنا أن المليكي هذا يصلح للمتابعة، فهل غاب عن بال الأخ أن في
الإسناد إليه علة أخرى، وهي تدليس ابن مقدم الراوي عن المليكي، وأن تدليسه
كان أخبث تدليس عرف في مجال الحديث كما تقدم. فمن الظاهرأن الأخ لم يتنبه
لهذه العلة؛ وإلا لكان كتمانه إياها تدليساً حديثاً نكبرهأن يقع فيه، وغالب الظن
أنه غَرَّه في ذلك كونه من رجال"الصحيحين " كما تقدم، والاحتجاج بمثله ليس مسلماً
على الإطلاق كماهو معلوم من علم المصطلح، وظني أن هذا ليس مجهولاً عند الأخ
الفاضل، وإنما هي الغفلة وعدم الاستحضار لأحوال الرجال ودقائق الأحوال.
ثم قال الأم:
"وفات شيخنا الألباني الطريق الآخر فضعَّف الحديث "!
فأقول: جزاك الله خيراً علىهذا التنبيه، ولكن أليس كان من الأولى أن
تلتمس لشيخك - كما تقول - عذراً،كما يقول الأدب السلفي المأثور: "التمس لأخيك عذراً "؛ فإنك تعلم أن المجلدالذي خرجت الحديث فيه من الطريق الأولى
ألفته قبل طبعه وطبع المسنديناللذين فيهما الطريق الأخرى بسنين عديدة، وأنه
لم يكن من الميسور يومئذٍ الرجوعإليهما دائماً وهما لا يزالان في عالم الخطوطات.
ثم رأيت البزار رواه (751) منطريق آخر عن المليكي فقال: حدثنا محمد
ابن السكن: ثنا عمران بن أبانالواسطي عنه.
وعمران هذا: ضعيف، ومحمد بنالسكن: لم أعرفه، ويحتمل أن يكون:
"ابن سكين" وهو: أبوجعفر الكوفي المؤذن، وَهُوَ مَجْهُولٌ كما في "الجرح " وغيره.