بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب "تكوين أستاذ[ة] القرب" للدكتور إسماعيل أمزاورو
قراءة : د/ عبد الفتاح بن اليماني الزويني
ما أحوج المنظومة التعليمية اليوم في عالمنا العربي أن تسلتهم جِدَّتَها من عبقرية رجالاتها ونسائها الذين أفنوا أعمارهم في تلقين أجيال عدة أبجديات التعلم والتربية بدل استراد معاجم من البيداغوجيات التي قد لا تستجيب لمتطلبات المتعلمين، وحاجيات سوق العمل، وخصوصيات البيئة الاجتماعية باختلاف أبعادها وتداعياتها؛ ولعل الكتاب الذي بين أيدينا يمكن إدراجه ضمن هذا التوجه؛ شاء له صاحبه الدكتور إسماعيل امزاورو أن يصطبغ بهذا اللون الذي امتزجت فيه التجربة الميدانية بالتنظير العقلي في ثوب طغت عليه ملامح ونفحات إسلامية ؛ فتُوِّجَ العملُ في نسق يوازن بين الأصالة والمعاصرة، ويحافظ على الهوية الإسلامية في نظرة إستشرافية للمستقبل الزاهر لمنظمومتنا التعليمية . لقد جاء الكتاب مكونا من مقدمة وخاتمة وأربعة فصول، نظمها صاحبها بأسلوب استفهامي ـ استقرائي: أولها يحاول تحديد مركزية الإقلاع الإصلاحي : من أين نبدأ؟ وثانيها يحاول تحديد الأهداف والغايات والمرامي والأغراض المتوخاة من التزكية كعامل أساسي في مشروع تكوين أستاذ[ة] القرب: فعنون له الكاتب بــ "ماذا نريد من التزكية؟"، أما الفصل الثالث: فانكب فيه الكاتب على تحديد الوسائل والطرق والممارسات المحققة للتزكية في بعدها الشمولي العام، وختم فصول الدراسة بتحديد المنهجية الصحيحة التي ترتكز عليها التزكية. يحاول الكاتب الدكتور إسماعيل أمزاورو أن يجيب عن عدة تساؤلات ملحة تحوم إجاباتها المقنعة حول الإقلاع الإصلاحي لمنظومة التربية والتكوين؛ والتي أجملها في أول لبنة من مشروع إصلاح التعليم ألا وهي تكوين أستاذ[ة] القرب الذي يقترب من المتعلمين ليكتشف عوائق التعلم عند كل واحد منهم، والفروق بينهم في زمن التعلم والتحلم والتكيف والتغير، ويلح بشدة على ضرورة بدء الإصلاح بالتزكية قبل التعليم؛ وهو ما اصطلح عليه بالتحلم قبل التعلم؛ بالقرب والاستماع والإنصات والتعارف والتواصل والتقدير والحمد المتواصل، والاستشارة والإشراك في تحمل المسؤولية بتفويض أداء بعض المهام، وبالنصح والتوجيه والإرشاد من غير كثرة عتاب ولا لوم ولا تأنيب[1]، بمنهج البدء بتغيير ما بالأنفس أولا قبل السعي لتغيير محيط الأنفس وبيئتها؛ بالدعوة إلى التغيير الذاتي نحو الأفضل[2]. ولقد أجاد الأستاذ الفاضل في جلب أساليب الحوار والتواصل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؛ فجاء كتابه الذي بين أيدينا زاخرا بشواهد جليلة من التراث الإسلامي عموما(بنسبة شاهد في كل صفحة) أسعفته في توصيل دلالة الأفكار بعبارات سهلة مكتنزة، ووضع اليد على مكمن الخلل بإشارات استقرائية استدلالية، وبأسلوب أصيل ماتع يزيل اللبس، ويميط اللثام عن غوامض العلاقة التركيبية أستاذ/ متعلم في مختلف أبعادها وتجلياتها. لا شك أن ماجاء بين دفتي كتاب:"تكوين أستاذ[ة] القرب" عبارة عن صرخات ألم وأمل أستاذ مزاول في قرب لمهنة التدريس بما لها من أبعاد تربوية إنسانية نبيلة، صرخات تحمل في طياتها إرشادات وتوجيهات نابعة من تجربة ميدانية زاخرة بالجدة والابداع والابتكار للدفع بالعملية التعليمية التعلمية نحو الأمام باعتبار المدرسة بمختلف مكوناتها قاطرة من قاطرات التنمية المستدامة، وتأهيل العنصر اللامادي لكي يلعب دوره الاستراتيجي في بعث الاشعاع العلمي وخلق تفاعل حضاري؛ لذلك اتجهت نظرة د/إسماعيل أمزاورو إلى جعل المتعلم ـ الطالب في صلب العملية التعليمية التعلمية بل جعله المحور الذي تدور حوله عملية التعليم والتعلم. فحاول الأستاذ في هذا التوجه أن يجيب عن عدة إشكالات تشوب سيرورة التعلم في نسقها الإجرائي؛ فتراه يتساءل في حيرة وحسرة : متى سننتقل إلى المحاضرة المبنية على معرفة المخاطبين عن قرب، بدل العروض التي لا تخلو من واقعية، لكنها قد تبتعد كثيرا عن هموم الحاضرين ومشاكلهم؟ ومتى سننتقل إلى التربية المباشرة القريبة، والمحاضرة المفتوحة التي يتم فيها الجواب وفق حاجة الحضور، وأن يكون حل مشاكل الحاضرين هو الأصل، وإلقاء المحاضرة هو الفرع التابع له؟ ومتى سيتدرب شبابنا على الخطبة والمحاضرة والموعظة والبحث والإنتاج والإبداع ونحن احتكرنا المنصات والكراسي والمنابر؟ومتى سنؤهله لذلك؟‘إلى متى نعوده أن يظل في موقع السائل وليس المسؤول ؟ وإذا أجبناه ألف الجواب كلما سأل دون أن يبذل أي مجهود متى سيبحث؟متى سيتدرب على التفكير والبحث والتحليل؟ ويجيب في امتعاض: لذلك لا ينبغي أن نستغرب إذا سمعنا كثيرا مِن المتعلمين مَن يشتكي مِن عدم فهم بعض مسائل الدرس، أو مِن فهم الدرس كلِه كما يدعون، ويعلق المسؤولية على مُدَرِّسِه؛ لماذا؟لأنه ربي على الاعتقاد بأن إنجاز الدرس واجب الأستاذ وحده، وأن واجبه التلقي فقط، وأن المصدر الوحيد للمعرفة هو المدرس،ولأنه ربي على أن لايعد الدرس في بيته ولا يبحث، ولا يسأل عن مصادر ومراجع ما انغلق عليه إدراكه و استيعابه، وربي على ألا يبذل مزيدا من الجهد ليفهم،ولم ندربه على التفكير والتأمل والتمعن في المسألة التي استشكلت عليه،ألسنا نجيبه إذا عجز من الوهلة الأولى،وإذا سكت تكلمنا،وإذا عجز عن البحث بحثنا له،ولم نعلمه طريقة البحث حتى نجد تلميذ الثانوي التأهيلي عاجزا عن البحث عن كلمة في المعجم، وإذا بكى من الفطام ألقمنا فمه الثدي من جديد،فمتى سيتغذى بنفسه، ويستقل عن حليب أمه؟[3] ولقد استعان أستاذ القرب بالعديد من المصادر والمراجع تداخلت فيها الأصالة بالمعاصرة منحته المادة العلمية في تعدد أبعادها الابستمولوجية، ومدته بالبوصلة التي حددت له الطريق المراد سلكه والنتائج المتوخاة والمرامي المبتغاة،أتمنى أن تكون صرخة صاحبنا قد وقرت عن قرب في قلوب كل المتدخلين في الشأن التعليمي لأجرأة مفهوم القرب في أبعاده الوظيفية كأداء اجتماعي ونسق أخلاقي مولد لكل عناصر المردودية الفعالة والبناءة من العملية التعليمية التعلمية، ومنتج لكل عوامل الجودة وسبل تحسينها في أفق تحقيق مبدأ الاستخلاف على الأرض بمفهومه العام والشامل الداعي إلى التعارف بين بني البشر وتبادل الخبرات وإصلاح الأرض وإعمارها بالخير والسلم والسلام والتعاون والتضامن.

[1] ص:41
[2] ص:84
[3] ص:49