ما درّسه من الكتب:
1- القرآن الكريم. بأسلوب ليس [له] مثيل، يذكرك بأيمة التفسير المشاركين في العلوم، المنطوق منها والمفهوم.
2- صحيح البخاري، خمس مرات، قراءة مستعجلة، وفي المرة السادسة؛ دراسة عالية مثل فيها الحفاظ المتقدمين أحسن تمثيل.
3- طرف من صحيح مسلم، بالقصر الملكي.
4- موطأ الإمام مالك.
5- "رياض الصالحين" للحافظ النووي.
6- "بلوغ المرام من أدلة الأحكام". للحافظ ابن حجر.
7- ألفية العراقي في المصطلح.
8- ألفية العراقي في السيرة.
9- ألفية الأسيوطي في المصطلح.
10- "زاد المعاد" لابن القيم.
11- قوانين ابن جزي. مرتين.
12- "جمع الجوامع" لابن السبكي، مع "الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع" للسيوطي.
13- تلقيح القرافي، في الأصول.
14- "الزقاقية" سبع مرات.
15- "الاعتصام" للشاطبي. [7].
16- "التلخيص" مرات عديدة.
17- تحفة ابن عاصم. سبع مرات.
18- ألفية ابن مالك. مرات عديدة.
19- مختصر الشيخ خليل. مرات، ولكنه لم يختمه إلا مرة واحدة.
20- "البيان والتبيين" للجاحظ.
21- منظومة الشيخ الطيب في الاستعارة.
22- لامية العرب.
23- همزية البوصيري.
24- بردة البوصيري.
25- المعلقات السبع.
26- مقامات الحريري.
27- بانت سعاد.
28- لامية البوصيري التي أنشأها على نهج "بانت سعاد"...وغير ذلك مما لم أستحضره الآن.
حاله:
كان من فحول علماء الدنيا، الذين تشد إليهم رحال طلاب العلم من مختلف جهات المغرب، فيجدون فيه ما تشتهيه الأنفس من مختلف أنواع العلم الصحيح، والمعرفة النادرة، وممن بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، وأحاديثه ودروسه ومؤلفاته شواهد على [8] ما أقول. ومع ذلك؛ فقد كان لا يبغي بالمذهب المالكي في عصوره الزاهرة بديلا.
نعم؛ كان يرى وجوب إدخال تعديل عليه، تلغى بموجبه الأقوال التي لا تعتمد على دليل وأصبحت مضافة إليه في العصور المتأخرة، غير أن مالكيته كانت من نوع مالكية الحافظ ابن عبد البر النمري، والإمام ابن العربي المعافري، والإمام ابن رشد القرطبي...وغيرهم من حفاظ المذهب المالكي الأحرار، الذين كانوا يدورون مع الدليل حيثما دار.
وكان من كبار أيمة التفسير، الذين أحيوا علم القرطبي والرازي وابن جرير، وأبي حيان والألوسي...وغيره ، ولو قلت: إن أرواحهم تقمصت فيه؛ لصدقت!. وما ظنكم بإمام بقي يفسر قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}، شهرًا كاملا من شهور رمضان، تحدث فيه عن كل ما له علاقة بالجنة حديثًا مطربًا مدهشًا؟.
وكان من أبرز أيمة الحديث الذين أدركوا في علوم الآلة مهارة كبرى، وضعتهم في صف الحافظ ابن حجر والسخاوي والسيوطي...وأضرا هم.
وكان يعرف المذاهب المتبوعة والمندرسة معرفة كبرى، ويميز الصحيح والسقيم من أقوالها، مع تعظيم [9] واحترام لأربابها وقادتها، وإعلان عن الحق في الموضوع وإن خالف رأي الإمام المتبوع.
هكذا هكذا وإلا؛ فلا لا===طرق الجد غير طرق المزاح
وكان أديبًا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى قديم وجديد، وما ظنكم برجل كان يعرف الشرق الجديد وعلماءه، وكتّابه وأدباءه، وشعراءه وصحفه وجرائده، وتاريخ نهضته الإسلامية والوطنية، كما يعرف القديم بعلمائه وأدبائه وشعرائه، معرفته باللغة والنحو، والمعاني والبيان، والبديع والمنطق، وتاريخ الانقلابات السياسية، والثورات الفكرية الإسلامية والأجنبية؟!.
وكان ممتازا بنزاهة كبرى أثناء رياسته بمجلس الاستيناف الشرعي الأعلى، كما يعلم ذلك الخاص والعام، ويتحدث عنه الوكلاء الشرعيون الذين كانوا يترددون على المجلس الأعلى، ولقد قال لي يومًا: "أحمد الله تعالى حيث لم يصدر عن المجلس الذي كنت أرأسه أي حكم مخالف للشريعة الإسلامية، طيلة المدة التي قضيتها فيه، رغمًا عن الضغط الذي يقع علي في بعض الأحيان من اللذين كانوا يتناسون قوله تعالى: {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد [10] بما نسوا يوم الحساب}".
وكان له إيمان كامل بالله، ومحبة كبرى في مولانا رسول الله، يملأ مجالسه بالحديث عن الحضرة الإلهية، ويدعو للعناية بعلم التوحيد، وجعْلِه المادة الأساسية الأولى في المدارس العصرية، خوفا من تسرب الإلحاد لأبناء المسلمين من مدارس النصارى.
كما كان يعتني بدراسة "الهمزية" و"البردة"، ويعطر مجالسه بالشمائل المحمدية، بأسلوب تنشرح له الصدور، وتفرح له القلوب.
وكان يجد في التدريس والتفهيم لذة كبرى لا تعادلها لذة، بحيث لا يشغل أوقات فراغه إلا به، حتى أصبح بينه وبين تلامذته اتصال وثيق قل نظيره، مع صفاء تام، وطهارة نفس، وهيام بالهدي النبوي، وابتعاد عن كل ما يُحدث التفرقة بين المسلمين، أو يوسع دائرة الخلاف بينهم.
كما كان يصدع بالحق كلما أراد الأجانب الإضرار بالمسلمين، وتوجد وثائق سياسية سجل بها مواقف مشرفة في الدفاع عن الإسلام والمغرب. ترفع رأس العلماء عاليا، وتثبت مشاركتهم في الميدان الوطني بجانب أبنائهم [11] الروحيين.
وبالجملة؛ فقد كان شيخ الإسلام، وحجة الله في الأرض، وحافظ المغرب، وعالم المذاهب، وقاموس العرب، وفتح الباري، وهدْي الساري، وقوت القلوب، ومحيي علوم الدين، إلى أن فُجع المسلمون والعرب بفقده، في وقت كانوا أحوج ما يكونون إلى علمه وتوجيهاته وإرشاده، فكان المصاب بفقده جسيمًا، والخطب عظيما.
قراءتي عليه:
حضرت على الفقيد الكريم في علم النحو بالألفية، وفي علم المنطق بالسلم، وفي علم الأدب بالمعلقات السبع، وفي علم الفقه بالمختصر، وفي علم السيرة بألفية الحافظ العراقي، بحيث لازمته نحو عامين.
روايتي عنه:
استجزته سنة 1342 فكتب إجازة نفيسة، ومما جاء فيها: قوله:
"إنه لما كان الإسناد من الدين بالمنزلة السامية، والمكانة الرفيعة، التي تتضاءل دونها الثريا حسبما صرح به السلف، ومن على نهجهم من الخلف، ففي ديباجة ثاني كتب الصحة، لأبي الحجاج، مسلم بن الحجاج، القشيري النيسابوري، رضي الله عنه، عن ابن المبارك المروَزي [12] قال: إن الإسناد من الدين!".
"جرى سَنن الفضلاء، من أهل العلم النبلاء، المتشوقين للحديث، المتشوفين للانخراط في سلك أهله بالسير الحثيث، على طلب الأسانيد وتعدادها، والتوسل بالإجازات إلى متونها وأسانيدها...وبعد أن ذكر أني طلبت منه الإجازة قال:
"فاعتذرتُ بعدم الاستطاعة، وقلة البضاعة، إذ لست في العير ولا في النفير، بل ممن ينفر من الصفير، وأين لمقصوص الجناح أن يطير؟!".
أعيذها نظرات منك صادقة===أن تحسب الشحم ممن شحمُه ورمُ
"ولما رأيتُ إلحاحه، وتمسكه بالإجابة؛ أقدمتُ على ذلك، راجيًا من الله – سبحانه – الإصابة والإثابة، فأقول:
أجزتك لا أني لما رمتََه أهل===ولا أن ما تبغيه محتَمَلٌ سهْل
فكيف أراني أهل ذاك، وقد أتى===عليّ المواتان: البطالةُ والجهلُ
وما العلم إلا البحرُ طاب مذاقه===وما ليَ عَلٌّ في الورود ولا نهل
فأسأل ربي العفو عنا، فإنه===لما يرتجيه الخلقُ من فضلِه أهل
"إجازة عامة، مطلقة تامة، على شرطها المقرر، عند أهل الأثر، في كل ما تصح لي روايته ودرايته، مما استفدته ورويته عن مشايخي الأعلام، أيمة الإسلام، وفيما لي من التآليف والكتابة، إن كان [لي] حظ من الإجادة والإصابة".
هذا – أيها السادة – نبذة موجزة من حياة أستاذنا الكريم، نقلت أكثرها من كتابي "قدم الرسوخ، في معجم الشيوخ" [13]، مع حذف وصول عديدة منها، روما للاختصار، والله أسأل، وبنبيه أتوسل، أن يجعله في جوار المنعَم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ويجعل تلامذته على أثره. والسلام عليكم ورحمة الله.
(انتهيت من نسخه أنا سبط ابن المصنف، محمد حمزة بن علي بن المنتصر بالله الكتاني، مع أذان فجر يوم الجمعة 13 يوليوز 2007، برباط الفتح من المغرب الأقصا، نفعنا الله بمؤلفه، ورضي عنه وعنا به آمين..وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا، والحمد لله رب العالمين)
.