تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التدين الحق هو ذلكم المستكن في الفهم السلفي لصحيح النصوص ومقاصدها

  1. #1

    افتراضي التدين الحق هو ذلكم المستكن في الفهم السلفي لصحيح النصوص ومقاصدها



    الدينُ بثوابِتِه ومبادِئِه وقِيَمِه لا يقبَلُ التشكيكَ أو التقليلَ أو المُزايَدَة، ولا يصحُّ من مُسلمٍ عاقلٍ أن ينالَ منه، أو الإساءَةَ إليه؛ فهو دينُ الله الذي ارتَضاهُ لعبادِه، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].

    ولكنَّ التديُّن كسلُوكٍ بشريٍّ لتطبيقِ تعاليمِ الدين هو الذي يختلفُ فيه المُكلَّفُون بحسبِ العقولِ والعواطِفِ والظروفِ والأحوال والبِيئات.
    وهذا الفارِقُ بين الدين والتديُّن يُحتِّمُ مراجعةَ مسيرةِ التديُّن في المُجتمعات، والتحوُّلات الفِكريَّة التي واكَبَتها، في زمنٍ انتشَرَت فيه ظواهِرُ اختِطافِ العقولِ والأفكارِ باسمِ الدين، والصِّراعِ بين الأيدلوجيَّات والأجِندات. مما أفرزَ تناقُضاتٍ سُلوكيَّة، وانتِماءاتٍ فِكريَّة، تتطلَّبُ معرفةَ الضوابِط الشرعيَّة عند الحديثِ عن الثوابِت والمُتغيِّرات.



    فعَرضُ قضايا الدين ومُحكَماته من أجلِ النَّيل من ثوابِتِه خطٌّ أحمرُ لا يحقُّ تجاوُزُه، ونبذُ السلوكِ والتطبيقِ باعتِدالٍ وإنصافٍ وتثبُّتٍ سائِغٌ مقبولٌ؛ لأنه يُسيءُ للدين الحقِّ، ولا يستحقُّ العِصمةَ والقَداسَة.
    وفي هذا العصر المُحتدِم بالاختِلافات والانقِسامات، والمُلتهِبِ بالأزمَات والصِّراعات، كثُرَت ضُروبُ التديُّن الخاطِئ وأمَّت، واندَاحَت صُورُ الضلال وعمَّت من أهل الأهواء، الذين أُشرِبُوا فِكرَ الغُلُوِّ والتكفير، والعُنفِ والقتلِ والتفجير، والتخريبِ والتدمير، وغيرِها من الطوامِّ التي يتبرَّأُ منها كلُّ مؤمنٍ يرجُو اللهَ واليومَ الآخرَ.
    فقدَّمُوا للأعداء خدماتٍ جُلَّى بأطباقٍ مُذهَبة، وضيَّعُوا على الأمةِ فُرَصًا كُبرى في الدعوةِ إلى دينِ الله، وتأذَّى خلقٌ كثيرٌ جرَّاءَ رُعونَتهم وسُوءِ صنيعِهم. وكلُّ ذلك ما هو إلا نِتاجُ فِكرٍ مُتطرِّفٍ مُنحرِف، وغُلُوٍّ شاذٍّ مُنجرِف، يُوقِظُ الفتنَ النائِمة، والمناهِجَ الهائِمَةَ الواهِمةَ، التي تعمَدُ إلى سَفكِ الدمِ الحرام والعُتُوِّ في الأرض والإجرام.

    فحصَلَ من جرَّاء ذلك ضلالُ أفهام، وزَلَلُ أقدام، وكانوا عونًا لمن رامَ القضاءَ على مُقدَّرات المُسلمين، وطَمسِ معالِم هويَّتهم، حتى تحوَّلَت الانتِكاساتُ النفسيَّة والمُشكِلات الاجتماعيَّة إلى حالاتٍ من التديُّن غير المُنضبِط بضوابِط الشرع، ثم الزجُّ بالأنفُسِ إلى بُؤَر الصِّراع ومواطِن الفِتَن.
    ولهذا جاء وصفُهم البَليغ على لِسانِ المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – بقولِه عن أصلِهم ذي الخُويصِرَة: «يخرُجُ من ضِئضِئِ هذا أناسٌ تحقِرُون صلاتَكم عند صلاتِهم، وصيامَكم عند صيامِهم، يمرُقُون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمِيَّة»؛ متفق عليه.

    فانظُروا – يا رعاكم الله – كيف لم ينفَعهم كثرةُ تديُّنهم مع ضلالِ منهَجِهم؟!
    وآخرُون في تطرُّفٍ مُضادٍّ، أصابَتْهم موجاتٌ من التشكيكِ والإلحاد، ولوثَاتٌ من الفساد، الذي يُنذِرُ بعَظيمِ الخطر، ويتستَّرُ به الألِدَّاءُ في كيدٍ وبَطَر. ذلكم الفِكرُ الغام، والخُنُوعُ المُزيَّفُ السام، الذي أجلَبَ بتيَّارات الانحِراف، وهملَجَ بمشارِبِ الإتلافِ والإرجافِ، والاستِلابِ العقديِّ والانسِلاخ الثقافيِّ، والاختِطافِ الفِكريِّ والقِيَميِّ.

    فأفسَدَ فِئامًا من الناس، ولوَّثَ أفكارَهم، وشابَ عقائِدَهم، وسلَخَهم عن قِيَمهم الاجتماعيَّة، وضرَّاهم عن أصولِهم الدينيَّة والأخلاقيَّة، وأسلَمَهم إلى عواصِفِ الحَيرَة والتميُّع والذَّوَبان والانهِزاميَّة، وضياعِ الهويَّة، والتقليدِ والتبَعِيَّة، والتشبُّه بغير المُسلمين. مما أفرَزَ ازدواجِيَّةً وتناقُضاتٍ عند بعضِهم، في أُطروحاتٍ جريئةٍ، تُثيرُ التشويشَ والإثارة، لاسيَّما في المُجتمعات المُتديِّنة المُحافِظة، تمَسُّ أعراضَها، ومسالِكَ العفافِ فيها، وتخدِشُ آدابَها وحياءَها، وتهُزُّ قِيَمَها وكرامَتَها.
    وعَتْبُهم: حَتْمٌ عليَّ فالْزَمَن***فيه السليمُ والمُلِمُّ والزَّمِن

    وقد ظنَّ هؤلاء أنهم على هُدًى من ربِّهم، وصِحَّةٍ وسلامةٍ من أمرِهم، واغترُّوا ببعضِ ظواهِر النصوصِ والنُّقولات، غافِلين عن صحَّة الاستِنباطِ وسلامةِ الاستِدلال، في تقفُّرٍ للعلم، وشَغَفٍ بشُذوذِ المسائل. وكم من مُريدٍ للخير لم يُصِبه، (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 104].
    إن المُتأمِّل في واقعِ الأمة المشحُون بهذه التيَّارات المُتضادَّة، والآراء المُتنافِرة المُتنادَّة، يُصابُ بالذُّهولِ وهو يرى فِئاتٍ من بنِي جلدَتنا يُساعِدون في تقويضِ بُنيانها، وزَعزَعة أركانِها، وإغراقِ سفينتِها.


    فبَين غلُوٍّ في الدين محموم، وتمييعٍ للشرع مذموم، يتقلَّبُ فيه بعضُ أبناء الأمة الخالِدة التي اصطَفاها المولَى – سبحانه – لتكُونَ خيرَ أمةٍ أُخرِجَت للناس، حتى آلَ أمرُ بعض أبنائِها في تديُّنِهم إلى انتِماءاتٍ فِكريَّة، وولاءاتٍ حِزبيَّة، وتيَّاراتٍ مذهَبيَّةٍ وطائفيَّةٍ، وصِراعاتٍ سياسيَّة، والله تعالى يقول: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].
    ولقد حوَتْ شريعتُنا في أُصولِها ومبادِئِها ما يتواءَمُ وحاجةَ الإنسانيَّة، وما يتواكَبُ ومصلحَةَ البشريَّة في كل زمانٍ ومكانٍ، وما يُحقِّقُ مصالِحَ العباد في أمورِ المعاشِ والمعادِ. والتمسُّكُ بها لا يحتاجُ إلى جُهدٍ جَهيدٍ، أو غلُوٍّ وتشديد، أو تركٍ لمعالِمِها وتفريطٍ؛ بل هي وسطٌ بين كل ذلك، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: 143].

    يقول الإمام الشاطبيُّ – رحمه الله -: “إن الشريعةَ جارِيةٌ في التكليفِ بمُقتضاها على الطريقِ الوسَط العدلِ الآخِذِ من الطرفَين بقِسطٍ لا مَيلَ فيها، فإذا نظرتَ إلى كليَّةٍ شرعيَّةٍ فتأمَّلْها، تجِدها حامِلةً على التوسُّط والاعتِدال، ورأيتَ التوسُّطَ فيها لائِحًا، ومسلَكَ الاعتِدالِ واضِحًا، وهو الأصلُ الذي يُرجَعُ إليه، والمعقِلُ الذي يُلجَأُ إليه”. اهـ كلامُه – رحمه الله -.

    فالتديُّنُ الحقُّ هو ذلكم المُستكِنُّ في الفَهمِ السلَفيِّ لصحيحِ النصوصِ ومقاصِدِها، الذي يُظهِرُ عدلَ الدين ورحمتَه، وسماحتَه ورأفَتَه ووسطيَّتَه، ويكشِفُ سُطوعَ كوكبِه السارِي، ونهرِه المُبارَكِ الجارِي، ويحمِلُ للبشريَّةِ صلاحَها وفلاحَها، ورُشدَها ونجاحَها، يحسِمُ شِرَّةَ الخُطوبِ والكُروبِ، وينتشِلُ الإنسانيَّة من أوهاقِ البَغضاءِ والشَّحناء إلى مراسِي التوافُقِ والصفاء، والسِّلمِ والوفاءِ.
    —————
    فضيلة الشيخ الدكتور : عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس

    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2015
    المشاركات
    147

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2015
    الدولة
    Libya
    المشاركات
    147

    افتراضي

    شكرا.
    جزاكم الله عنا خيرا.
    ( من كف عن غيظه ، كف الله عنه عذابه ). صحيح.
    ( من كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ). صحيح.
    وفق الله الجميع.
    وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    فهؤلاء لم يختلفوا في دم علي رضي الله عنه ، بينما اختلفوا في دم بعوضة !.
    ( إن شر الناس عند الله ... الألد الخصم ). صحيح.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •