الحديث :" لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله "
عند مسلم ( الحدود -باب قدر أسواط التعزيز 2/72) وعند البخاري ( كتاب المحاربين -باب كم التعزير 1012/2) اخرج فيه حديثي ابي بردة وحديث عبد الرحمان بن جابر عمن سمع النبي
قال الشيخ الألباني :" منكر بلفظ :" العقوبة" .أخرجه البخاري قال : حدثنا عمرو بن علي حدثنا فضيل بن سليمان حدثنا مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمان بن جابر عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال:...فذكره
قال الشيخ الألباني : هذا اللفظ بهذا الاسناد من أفراد البخاري وعلته : الفضيل هذا ؛ فإنه -كما قال الحافظ -:
" صدوق له خطأ كثير ، إنما روى له البخاري متابعة " -كما حققه الحافظ في " مقدمة الفتح "-؛ وهذا الحديث من هذا القبيل ، فإنه إنما ساقه عقب روايته بإسناده عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره بلفظ :" لا يجلد فوق عشر جلدات.." الحديث . وبهذا اللفظ رواه بقية الستة وغيرهم وإن من تساهل الحافظ تجاه " صحيح البخاري " أنه بدل أن يحقق في هذا الحديث ما استفدناه منه- من تضعيفه لرواية (فضيل)- اغفل الكلام عنه ؛ بل ذكره متابعاً للبخاري في روايته إياه عن عمرو بن علي ، ألا وهو ( علي بن اسماعيل بن حماد ) والبخاري ليس بحاجة لمتابع -كما لايخفى - هذا لو كان ( علي) هذا ثقة ؛ فكيف وهو -كما قال في " اللسان"- كان اختلط في آخر عمره ؟؟ ولو جاز لنا أن نحابي الامام البخاري ؛ لقنا : إنه توبع الفضيل على لفظه ولكن معاذ الله ؟ ) انتهى كلام الشيخ الألباني
قلت :- عبد الباسط- ان الامام البخاري اخرج في هذا الباب حديث سليمان بن يسار عن عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ ( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله )
ثم ذكر حديث ( فضيل بن سليمان) عن مسلم بن أبي مريم حدثني عبد الرحمان بن جابر عمن سمع النبي ...بلفظ ( لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله )
ثم ذكر حديث يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب اخبرني عمرو أن بكيرا حدثه قال بينما أنا جالس عند سليمان بن يسار اذ جاء عبد الرحمان بن جابر فحدث سليمان بن يسار ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال حدثني عبد الرحمان بن جابر أن أباه حدثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري قال ..بلفظ ( لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله )
فالشيخ الالباني انكر لفظ " لا عقوبة " لأنها غير محفوظة إلا من رواية ( فضيل ) وهذا ( الفضيل -على سياق الشيخ ) ضعيف الحديث واستشهد بقول الحافظ ابن حجر في التقريب :" صدوق له خطأ كثير(2/447) وكذا قول ابن معين :" ليس بثقة " وقال الساجي :" كان صدوقا وعنده مناكير " وقال النسائي :" ليس بالقوي " وعلل ابن حجر :" روى له الجماعة وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها "
قلت :" الشيخ -رحمه الله - كأنه إستند الى تضعيفه جملةً واحدة أي أنه ليس في مقام الاحتجاج به إذا إنفرد او توبع بحديث أو زيادة كما هو الواقع في ( لا عقوبة ) وفي ذلك نظر .
وقد قرأت بحثاً طيبا ( الاحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في صحيح البخاري ) وعلل مؤلفه بحجة أن البخاري ينتقي أقوال من هم على شاكلة فضيل بن سليمان . ثم عدد غاية البخاري لذكر رواية فضل بن سليمان النميري ؛ ومن جملة تلك الأعذار أنه ذكر روايته ليبين الاختلاف وخفة ضبطه مقابلة مع سليمان بن يسار .
وقد شاع بين الممارسين لهذه الصنعة الشريفة أن البخاري ينتخب أحاديث المتكلم فيهم -لكيلا أقول الضعفاء - وهذا القول فيه نظر ليس جدلا بعدم ثبوت الفكرة بل لأنتفاء البينة التفصيلية العلمية الدقيقة في ذلك ؛ وهذا باب واسع يستدعى طول نفسٍ بعد طولِ سبرٍ وإستقراء ليس هذا مدار البتّ فيه الآن .
قلت : لنفترض أن رواية الفضيل بلفظ ( لا عقوبة ) خالف فيه الثقات فكان ماذا ؟
لقد اخرجه عبد الرزاق في مصنفه من طريق ابن جريج عن مسلم بن ابي مريم به (7/413)
وعنه رواه اسحاق بن راهويه عن ابن جريج عن مسلم بن ابي مريم بهِ وفي كل الروايات صرح ابن جريج بالسماع ..فهذه الطريق محفوظة وتوبع فيها فضيل بن سليمان النميري ولا اقول توبع في رواية سليمان بن يسار لما سلف من القول أن الألباني لا يعد ذلك متابعةً .
فشرط الاتصال ثابت في رواية ( فضيل بن سليمان ) والطريق محفوظة في سندها الاعلى بمتابعة سليمان بن يسار ؛ لمسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمان بن جابر ؛ وجهالة الصحابي لا تضر بالاسناد كما هو معلوم في اصول المصطلح ؛ ثم لا يقدح في رواية (فضيل بن سليمان ) بشيء إذ أنه أدى ما سمع ؛ وهذا يدل على أنه حفظه بهذا الوجه ودليل ذلك أن ابن جريج في مصنف عبد الرزاق تابعه حذو القذة بالقذة .
وهناك احتمالان لا بد أن نذكرهما من وراء ذكر رواية فضيل بن سليمان في هذا الباب على الاقل إما أن يكون فضيل بن سليمان ثقةً عند البخاري مجملاً وهذا احتمال غير راجح .وإما أن يكون ثقة للقرائن المنصوبة بحيث أنهُ وافقَ حديثَ الثقات من الاسناد العالي من عبد الرحمان بن جابر بن عبد الله الى منتهاه -بغض النظر عن تسمية الصحابي فذلك لا يضر بهِ- وهذا ما يغلب على ظنـي ؛ لموافقته لابن جريج من روايته عن مسلم بن ابي مريم في اخر الاسناد كما هو في مصنف عبد الرزاق وعنه اسحاق بن راهويه .
فيظهر لنا من الاستقراء الصريح أن البخاري ما أخرج هذا الحديث ليبين العلة كما قيل إذ كان بامكانه أن يذكره تحت حديث سليمان بن يسار ويبين ان هناك اختلافا في ررواية فضيل وابن جريح عن مسلم ابن ابي مريم عن عبد الرحمان بن جابر؛ انما اخرج الحديث لبيان الحجة اذ انتفى من رواية فضيل بن سليمان النميرى التفرد والمخالفة وقد وافق شرط الصحة عند البخاري فأدى كما سمع من مسلم بن ابي مريم فكان سواء بسواء مع ابن جريج اذا هو ثقةٌ في هذا الاسناد فحسب.. وهذا ما ذهل عنه الشيخ الألباني وغيره .
ثم لا بد من طرح استفهمات في قول الشيخ او ممن لهم شك في روايات بعينها في الجامع الصحيح ؟
هل ابدال فضيل بن سليمان - اذا افترضنا انه تفرد باللفظ - ( لا يجلد او لا تجلدوا بلفظ لا عقوبة ) تحريف للمعنى المحفوظ ؟ ثم وهل غفل الائمة النقاد عن رواية فضيل بن سليمان النميري طيلة هذه القرون وغيّب عليهم : مقاصد اللفظين : "لا تجلدو" "ولا عقوبة" ؟
ثم أليس من شرط البخاري قبول الرواية بالمعنى ؟
ثم كيف يصحُ أن يحمل التعديل والتجريح على المجمل دون نصب القرائن ؟ وهل القول بأن كل من قيل فيه " صدوق له خطأ كثير" يطرح حديثه بالجملة مطلقاً ؟