سُورَةُ الْأَحْزَابِ مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الأحزاب: 1]

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} بِطَاعَتِهِ وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَوَاجِبِ حُقُوقِهِ عَلَيْكَ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مَحَارِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُدُودِهِ..
{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} الَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ: اطْرُدْ عَنْكَ أَتْبَاعَكَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ حَتَّى نُجَالِسَكَ..
{ وَالْمُنَافِقِي نَ }الَّذِينَ يُظْهِرُونَ لَكَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالنَّصِيحَةَ لَكَ، وَهُمْ لَا يَأْلُونَكَ وَأَصْحَابَكَ وَدِينَكَ خَبَالًا، فَلَا تَقْبَلْ مِنْهُمْ رَأْيًا، وَلَا تَسْتَشِرْهُمْ مُسْتَنْصِحًا بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَكَ أَعْدَاءُ..
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الأحزاب: 1] إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمٍ بِمَا تُضْمِرُهُ نُفُوسُهُمْ، وَمَا الَّذِي يَقْصِدُونَ فِي إِظْهَارِهِمْ لَكَ النَّصِيحَةَ، مَعَ الَّذِي يَنْطَوُونَ لَكَ عَلَيْهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ أَصْحَابِكَ وَدِينِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَدْبِيرِ جَمِيعِ خَلْقِهِ.
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[الأحزاب: 2]

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} وَاعْمَلْ بِمَا يُنَزِّلُ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ وَحْيِهِ، وآيِ كِتَابِهِ..
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ} إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُ بِهِ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ عِبَادِهِ..
{خَبِيرًا}[الأحزاب: 2] أَيْ ذَا خَبْرَةٍ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَعَدَكُمْ مِنَ الْجَزَاءِ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب: 3]

{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} وَفَوِّضْ إِلَى اللَّهِ أَمْرَكَ يَا مُحَمَّدُ وَثِقْ بِهِ..
{وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[الأحزاب: 3] وَحَسْبُكَ بِاللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُكَ وَكِيلًا، وَحَفِيظًا بِكَ.
{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[الأحزاب: 4]

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ذَلِكَ تَكْذِيبٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي جَوْفِهِ قَلْبَانِ يَعْقِلُ بِهِمَا، وَهُوَ نَفْي مِنَ اللَّهِ عَنْ خَلْقِهِ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يَكُونُوا بِتِلْكَ الصِّفَةِ..
{وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ أَيُّهَا الرِّجَالُ نِسَاءَكُمُ -اللَّائِي تَقُولُونَ لَهُنَّ: أَنْتُنَّ عَلَيْنَا كَظُهُورِ أُمَّهَاتِنَا- أُمَّهَاتِكُمْ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكُمْ كَذِبًا وَأَلْزَمَكُمْ -عُقُوبَةً لَكُمْ- كَفَّارَةً..
{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ مَنِ ادَّعَيْتَ أَنَّهُ ابْنُكَ وَهُوَ ابْنُ غَيْرِكَ، ابْنَكَ بِدَعْوَاكَ، وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ تَبَنِّيهِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ.
{ذَلِكُمْ} هَذَا الْقَوْلُ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَدُعَاؤُهُ مَنْ لَيْسَ بِابْنِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ..
{قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } إِنَّمَا هُوَ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، لَا يُثْبَتُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى نَسَبُ الَّذِي ادَّعَيْتَ بُنُوَّتَهُ، وَلَا تَصِيرُ الزَّوْجَةُ أُمًّا بِقَوْلِ الرَّجُلِ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي..
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} وَاللَّهُ هُوَ الصَّادِقُ الَّذِي يَقُولُ الْحَقَّ، وَبِقَوْلِهِ يَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ أَثْبَتَ نَسَبَهُ، وَبِهِ تَكُونُ الْمَرْأَةُ لِلْمَوْلُودِ أُمًّا إِذَا حَكَمَ بِذَلِكَ..
{وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[الأحزاب: 4] وَاللَّهُ يُبَيِّنُ لِعِبَادِهِ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَيُرْشِدُهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَادِ.
{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الأحزاب: 5]

{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} انْسُبُوا أَدْعِيَاءَكُمُ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ أَنْسَابَهُمْ بِكُمْ لِآبَائِهِمْ، يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلْحِقْ نَسَبَ زَيْدٍ بِأَبِيهِ حَارِثَةَ، وَلَا تَدْعُهُ زَيْدَ ابْنَ مُحَمَّدٍ..
{هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَصْدَقُ وَأَصْوَبُ مِنْ دُعَائِكُمْ إِيَّاهُمْ لِغَيْرِ آبَائِهِمْ، وَنِسْبَتِكُمُو هُمْ إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُمْ وَادَّعَاهُمْ وَلَيْسُوا لَهُ بَنِينَ..
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ} فَإِنْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَ أَدْعِيَائِكُمْ مَنْ هُمْ فَتَنْسُبُوهُمْ إِلَيْهِمْ وَلَمْ تَعْرِفُوهُمْ، فَتُلْحِقُوهُمْ بِهِمْ..
{فَإِخْوَانُكُم فِي الدِّينِ} فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ، إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ..
{وَمَوَالِيكُمْ} إِنْ كَانُوا مُحَرَّرِيكُمْ وَلَيْسُوا بِبَنِيكُمْ..
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ وَلَا وِزْرَ فِي خَطَأٍ يَكُونُ مِنْكُمْ فِي نِسْبَةِ بَعْضِ مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ ابْنَ مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ ابْنٌ لِغَيْرِهِ..
{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وَلَكِنِ الْإِثْمُ وَالْحَرَجُ عَلَيْكُمْ فِي نِسْبَتِكُمُوهُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَهُ ابْنَ غَيْرِ مَنْ تَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} وَكَانَ اللَّهُ ذَا سَتْرٍ عَلَى ذَنْبِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَقَالَ الْبَاطِلَ وَالزُّورَ مِنَ الْقَوْلِ، وَذَنْبِ مَنِ ادَّعَى وَلَدَ غَيْرِهِ ابْنًا لَهُ، إِذَا تَابَا وَرَاجَعَا أَمْرَ اللَّهِ وَانْتَهَيَا عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهُ..
{رَحِيمًا}[الأحزاب: 5] ذَا رَحْمَةٍ بِهِمَا أَنْ يُعَاقِبَهُمَا عَلَى ذَلِكَ، بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا مِنْ خَطِيئَتِهِمَا.