الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبيّ بعده؛ أما بعد:

فنذكّر ببعض الفوائد من آثار سلف الأمة، لعلنا ننتفع بها في خطاب الدعوة إلى الله، وعند بيان الشريعة وتبليغها، فالواجب مراعاة فهم المتلقي وطبقات الناس عند تبليغ الدين ومخاطبة المكلفين؛ ومعرفة أن كل عقل له ما يناسبه، و كل طبقة ينبغي أن تُخص بالخطاب الذي تدركه وتعيه، والمراد فهم المخاطب وانتفاعه؛ فلا تكليف إلا بمستطاع:

1. روى ابن جرير الطبري في "تفسيره"(٢٣/ ٧٨) قال: حدثنا عمرو بن علي، حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله:
{سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، قال: لو حَدّثْتكم بتفسيرها لكفرتم، وكُفْرُكُم تكْذيبُكم بها .

2. ورواه ابن جرير أيضا (٢٣/ ٧٨) فقال: حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد القمي الأشعري، عن جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي، عن سعيد بن جبير، قال:
قال رجلٌ لابن عباس:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} الآية، فقال: ابن عباس ما يَؤَمّنُكَ أنْ أُخْبِرَك بها فتكفر .

3. وروى أبو الشيخ الاصفهاني في " العظمة "(٢/ ٦٤٣) قال: حدثنا ابن الجارود، حدثنا محمد بن عيسى الزجاج، قال: حدثنا عامر بن ابراهيم، عن الخطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً أتاه، فسأله عن هذه الآية:
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ }، يسأله ثلاث مرات، فلم يرد عليه شيئا، حتى إذا خفّ عنه الناس؛ قال له الرجل: ما يَمْنَعُك أن تُجيبَني ؟ قال: ما يُؤْمِنُكَ إِنْ أخْبَرْتُك أن تَكْفُرَ ؟

• قال (عبد العزيز): تلك أسانيد جياد صالحة؛ يشد بعضها بعضا، وأثر ابن عباس صحيح .

قال ابن القيم في "روضة المحبين" (ص 306) :
[ومن الغيرة؛ الغيرة على دقيق العلم، وما لا يدركه فهمُ السامع أن يذكر له ولهذه الغيرة؛
• قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، [حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذّب الله ورسوله]،
• وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ما أنت بمحدّث قوماً حديثاً لا تَبْلغه عقولهم؛ إلا كان لبعضهم فتنة]،
فالعالم يغار على علمه أن يبذله لغير أهله، أو يضعه في غير محله؛ كما قال عيسى بن مريم: (يا بني إسرائيل لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تبذلوها لغير أهلها فتظلموها)،
وسُئِل ابن عباس رضي الله عنهما، عن تفسير قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}، فقال للسائل: وما يُؤْمِنُك أني إن أخبرتك بتفسيرها كفرت، فإنك تُكَذبُ به، وتكذيبُك بها كفرك بها،
• فالمسألة الدقيقة اللطيفة التي تبذل لغير أهلها؛ كالمرأة الحسناء التي تهدى إلى ضريرٍ مُقْعدٍ ] .اهـ
- ومنه يستفاد انتقاء المفردات السهلة النافعة للمتلقي والسامع، ومجانبة غيرها…
- وفي ذلك الإحسان من المعلم والرفق بالمتعلم
- والكتاب والسنة وهدي سلف الأمة؛ قائم على التيسير والعناية بالمكلفين، وهذا نهج أهل الحديث، والطائفة المنصورة حتى تقوم الساعة .
- بخلاف ما عليه أرباب الفرق والطوائف والأحزاب
فائدة:
فائدة : قال الذهبي في "السير"(١٠/ ٥٤٧)، وفي "تاريخ الإسلام" له (٥/ ٧٢١) عندما ترجم لأحد رؤوس المعتزلة
فقال: هشام بن عمرو أبو محمد الفوطي المعتزلي الكوفي مولى بني شيبان، صاحب ذكاء وجدال وبدعة ووبال .
قلت (الذهبي) : هذا غاية ما عند هؤلاء المتقعّرين [من العلم]، عبارات وشقاشق يتقعرون بها قديما وحديثا، [لا يعبأ الله بها]، ويحرّفون بها الكلم عن مواضعه، والخطاب العربي عن موضوعه، والحديث العرفي عن مفهومه في القرآن والحديث، وكلام الناس فأبعدهم الله وأبعد شرهم اهـ .

كتبه . عبد العزيز بن ندى العتيبي
٤ صفر ١٤٣٧
يوافق١٦/ ١١/ ٢٠١٥ (بالافرنجي)