سئل الشيخ أبو إسحاق الحويني – حفظه الله – عن حديث ( ثلاث من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته ، أو ينفخ في سجوده ) ، فقال :
لا يصحُّ مرفوعًا .
أخرجه البخاري في ( التاريخ الكبير ) (2/ 1 / 496) ، وابن قانع في ( الفوائد) (ق3/ 2- 4 / 1) ، والطبراني في ( الأوسط ) (ج2 / ق69 / 2) ، والبزار (ج1 / رقم 547) ، من طريق سعيد بن عبيد الله ثنا ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعًا فذكره ، ولم يذكر الطبراني النفخ في السجود ، وزاد الخاري من رواية نصر بن علي عن سعيد : ( أربع من الجفاء … وأن يسمع المنادي ، ثم لا يتشهد مثل ما يتشهد ) .
قال البزار : ( لا نعلم رواه عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، إلا سعيد ، ورواه عن سعيد ، عبيد الله بن داود ، وعبدالواحد بن واصل ) .
وقال الهيثمي في ( المجمع ) (2/ 83) : ( رجال البزار رجال الصحيح ) ، وتوسع البدر العيني في الحكم ، فقال في ( عمدة القاري) (3/ 135) : ( إسناده صحيحٌ ، وقول الترمذي يُردُّ ) .
قلتُ : وقول الترمذي أن حديث بريدة غير محفوظٍ ، هو الصوابُ عندي كما يأتي ، أما البدر العيني ، رحمه الله ، فجرى على ظاهر السند ، وخفيت عليه العلة الحقيقة .
قال المباركفوري في ( تحفة الأحوذي) (1/ 68) يردُّ على البدر العيني : ( الترمذي من أئمة هذا الشأن ، فقوله : حديث بريدة غير محفوظ يعتمد عليه ، وأما إخراج البزار حديثه بسندٍ ظاهرة الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ ) . اهـ .
أمَّا علة الحديث ؛ فهي المخالفة ، فقد خولف سعيد بن عبيد الله فيه ، فقد خالفه قتادة ، فرواه عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ، أنه كان يقول : ( أربع من الجفاء : أن يبول الرجل قائمًا ، وصلاة الرجل والناس يمرون بين يديه ، وليس بين يديه شيءٌ يستره ، ومسح الرجل التراب عن وجهه وهو في صلاته ، وأن يسمع المؤذن فلا يجيبُه في قوله ) .
أخرج ابنُ المنذر في ( الأوسط ) (ج1 / رقم 281) بالفقرة الأولى ، والبيهقيُّ (2/ 285) ، وقال : ( وكذلك رواه الجريري عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود ) ، وطريق الجريري هذا أخرجه البخاريُّ في ( الكبير ) ، وقال : ( قال نصر : حدثنا عبد الأعلى ، عن الجريري ، عن ابن بريدة ، عن ابن مسعود نحوه ) . اهـ .
ونقل البيهقيُّ عن البخاري أنه قال : ( هذا حديثٌ منكر ، يضطربون فيه ) .
قُلْتُ : وقد مرَّ وجهان لهذا الاضطراب :
الأول : أن سعيد بن عبيد الله رفعه .
الثاني : أن قتادة والجريري واسمه سعيد بن إياس خالفاه في موضعين :
أ - أنهما أوقفاه .
ب- أنهما نقلاه من ( مسند بريدة ) إلى ( مسند ابن مسعود ) ، وهما يترجحان عليه ، لا سيما وقد قال الدارقطني في سعيد بن عبيد الله ، ( ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها ويوقفها غيره ) ، وهذا الحديث مثالٌ لذلك .
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 124) ، وابنُ المنذر في ( الأوسط ) ( ج1/ رقم 280) من طريق عاصم بن أبي النجود ، عن المسيب بن رافع ، عن ابن مسعود قال : ( من الجفاء أن يبول قائمًا ) ، ورجالُه ثقات ، غير أنه منقطع بين المسيب بن رافع وابن مسعود ، كما صرَّح بذلك أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان .
الوجه الثالث : أن كهمس بن الحسن رواه عن ابن بريدة من قوله ، ولم يذكر ابن مسعود ، أخرجه ابنُ أبي شيبة (1/ 124) حدثنا وكيع ، عن كهمس ، وسنده صحيحٌ .
فالصواب في الحديث الوقف ، وأنه ليس بمرفوع ، والله أعلم . أهـ منقول من الفتاوى الحديثية
سؤالي هو : بمن يعصب الخطأ ؟ بسعيد بن عبيد الله أم بعبد الله بن بريدة ؟
وسبب السؤال أن سعيد بن عبيد الله الثقفي وثقه أحمد وأبو زرعة ويحيى بن معين وقال النسائي : ليس به بأس وأورده حبان في الثقات وكذا ذكره ابن شاهين في الثقات . لكن الدارقطني قال فيه : ليس بالقوي يحدث بأحاديث يسندها ويوقفها غيره .
ويبدو والعلم عند الله تعالى أن سبب ذلك هو هذا الحديث وحديث الصلاة على السقط الذي رواه سعيد بن عبيد الله من مسند المغيرة بن شعبة مرفوعاً وأوقفه يونس بن عبيد مع كونه قليل الحديث من خلال بحثي .
ولكن ظاهر حديث (ثلاث من الجفاء) المشار إليه أنه روي من عدة أوجه ثم أن عبد الله بن بريدة تكلم فيه من قبل ضبطه وكذا في سماعه من أبيه .