تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الماتريدية ومراحلها، وبعض عقائدها وأفكارها، وبعض ما وافقوا وخالفوا فيه أهل السنة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي الماتريدية ومراحلها، وبعض عقائدها وأفكارها، وبعض ما وافقوا وخالفوا فيه أهل السنة

    من الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة .
    - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    - إشراف وتخطيط ومراجعة: د. مانع بن حماد الجهني

    الماتريدية

    1 - التعريف:
    الماتريدية: فرقة كلامية (بدعية)، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية

    2- التأسيس وأبرز الشخصيات:
    مرت الماتريدية كفرقة كلامية بعدة مراحل، ولم تُعرف بهذا الاسم إلا بعد وفاة مؤسسها، كما لم تعرف الأشعرية وتنتشر إلا بعد وفاة أبي الحسن الأشعري، ولذلك فإنه يمكن إجمالها في أربع مراحل رئيسية كالتالي:
    · مرحلة التأسيس: [333هـ] والتي اتسمت بشدة المناظرات مع المعتزلة، وصاحب هذه المرحلة:
    ـ أبو منصور الماتريدي: [ 333هـ]: هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، نسبة إلى (ماتريد) وهي محلة قرب سمرقند فيما وراء النهر، ولد بها ولا يعرف على وجه اليقين تاريخ مولده، بل لم يذكر من ترجم له كثيراً عن حياته، أو كيف نشأ وتعلم، أو بمن تأثر. ولم يذكروا من شيوخه إلا العدد القليل مثل: نصير بن يحيى البلخي، وقيل نصر وتلقى عنه علوم الفقه الحنفي وعلوم الكلام .
    ـ أطلق عليه الماتريدية، ومن وافقهم عدة ألقاب تدل على قدره وعلو منزلته عندهم مثل: "إمام المهدى"، "إمام المتكلمين".
    قال عبد الله المرائي في كتاب الفتح المبين في طبقات الأصوليين: "كان أبو منصور قوي الحجة، فحما في الخصومة، دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين.." (1 / 193، 194).
    وقال عنه الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة "جهبذ من جهابذة الفكر الإنساني، امتاز بالذكاء والنبوغ وحذق الفنون العلمية المختلفة"(ص 139) بل كان يرجِّحه على أبي الحسن الأشعري في كتاب تاريخ الدعوة والعزيمة ( 1/114ـ115).
    ـ عاصر أبا الحسن الأشعري، وعاش الملحمة بين أهل الحديث وأهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، فكانت له جولاته ضد المعتزلة وغيرهم، ولكن بمنهاج غير منهاج الأشعري، وإن التقيا في كثير من النتائج غير أن المصادر التاريخية لا تثبت لهما لقاء أو مراسلات بينهما، أو إطلاع على كتب بعضها.
    ـ توفي عام 333هـ ودفن بسمرقند، وله مؤلفات كثيرة: في أصول الفقه والتفسير.
    ومن أشهرها:
    تأويلات أهل السنة أو تأويلات القرآن وفيه تناول نصوص القرآن الكريم، ولا سيما آيات الصفات، فأوَّلها تأويلات جهمية.
    ومن أشهر كتبه في علم الكلام: "كتاب التوحيد" وفيه قرر نظرياته الكلامية، وبيَّن معتقده في أهم المسائل الاعتقادية، ويقصد بالتوحيد: توحيد الخالقية والربوبية، وشيء من توحيد الأسماء والصفات، ولكن على طريقة الجهمية بتعطيل كثير من الصفات بحجة التنزيه، ونفي التشبيه؛ مخالفاً طريقة السلف الصالح. كما ينسب إليه شرح كتاب الفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة، وله في الردود على المعتزلة رد الأصول الخمسة وأيضاً في الرد على الروافض، رد كتاب الإمامة لبعض الروافض، وفي الرد على القرامطة الرد على فروع القرامطة.
    · مرحلة التكوين: [ 333 - 500 هـ ]: وهي مرحلة تلامذة الماتريدي ومن تأثر به من بعده، وفيه أصبحت فرقة كلامية ظهرت أولاً في سمرقند، وعملت على نشر أفكار شيخهم وإمامهم، ودافعوا عنها، وصنفوا التصانيف متبعين مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع (الأحكام)، فراجت العقيدة الماتريدية في تلك البلاد أكثر من غيرها.
    ومن أشهر أصحاب هذه المرحلة:
    أبو القاسم إسحاق بن محمد بن إسماعيل الحكيم السمرقندي (342هـ)، عرف بأبي القاسم الحكيم؛ لكثرة حكمه ومواعظه، وأبو محمد عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوي (390هـ).

    · ثم تلى ذلك مرحلة أخرى تُعتبر امتداداً للمرحلة السابقة.
    ومن أهم وأبرز شخصياتها:
    ـ أبو اليسر البزدوي [421 - 493هـ]: هو محمد بن محمد بن الحسين ابن عبد الكريم، والبزدوي نسبة إلى بزدوة ويقال بزدة، ولقب بالقاضي الصدر، وهو شيخ الحنفية بعد أخيه الكبير علي البزودي، ولد عام (421هـ).
    ـ تلقى العلم على يد أبيه، الذي أخذه عن جده عبد الكريم تلميذ أبي منصور الماتريدي، قرأ كتب الفلاسفة أمثال الكندي، وغيره، وكذلك كتب المعتزلة أمثال الجبائي، والكعبي، والنّظام، وغيرهم، وقال فيها: "لا يجوز إمساك تلك الكتب والنظر فيها؛ لكي لا تحدث الشكوك، وتوهن الاعتقاد"، ولا يرى نسبة الممسك إلى البدعة.
    كما اطلع على كتب الأشعري، وتعمق فيها، وقال بجواز النظر فيها بعد معرفة أوجه الخطأ فيها، كما اطلع على كتابي التأويلات، والتوحيد للماتريدي فوجد في كتاب التوحيد قليل انغلاق وتطويل، وفي ترتيبه نوع تعسير، فعمد إلى إعادة ترتيبه وتبسيطه مع ذكر بعض الإضافات عليه في كتاب أصول الدين.
    ـ أخذ عن الشيخ أبو اليسر البزدوي جمٌّ غفير من التلاميذ؛ ومن أشهرهم:
    ولده القاضي أبو المعاني أحمد، ونجم الدين عمر بن محمد النسفي صاحب العقائد النسفية، وغيرهما.
    ـ توفي في بخارى في التاسع من رجب سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.

    · مرحلة التأليف والتأصيل للعقيدة الماتريدية:
    [ 500-700 ]: وامتازت بكثرة التأليف وجمع الأدلة للعقيدة الماتريدية؛ ولذا فهي أكبر الأدوار السابقة في تأسيس العقيدة، ومن أهم أعيان هذه المرحلة:
    ـ أبو المعين النسفي [438 - 508هـ]: وهو ميمون بن محمد بن معتمد النسفي المكحولي، والنسفي نسبة إلى نسف وهي مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، والمكحولي نسبة إلى جده الأكبر، ولكن نسبته إلى بلده غلبت نسبته إلى جده، وله ألقاب عدة أشهرها: سيف الحق والدين.
    ـ ويعد من أشهر علماء الماتريدية، إلا أن من ترجم له لم يذكر أحداً من شيوخه، أو كيفية تلقيه العلم.
    يقول الدكتور فتح الله خليف: "ويعتبر الإمام ! أبو المعين النسفي من أكبر من قام بنصرة مذهب الماتريدي، وهو بين الماتريدية كالباقلاني والغزالي بين الأشاعرة، ومن أهم كتبه "تبصرة الأدلة" ، ويعد من أهم المراجع في معرفة عقيدة الماتريدية بعد كتاب "التوحيد" للماتريدي، بل هو أوسع مرجع في عقيدة الماتريدية على الإطلاق، وقد اختصره في كتابه التمهيد، وله أيضاً كتاب بحر الكلام، وهو من الكتب المختصرة التي تناول فيها أهم القضايا الكلامية".
    ـ توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ثمانٍ وخمسمائة، وله سبعون سنة.

    ـ نجم الدين عمر النسفي [462 -537هـ]: هو أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد ابن أحمد بن إسماعيل … بن لقمان الحنفي النسفي السمرقندي، وله ألقاب عدة أشهرها: نجم الدين، ولد في نسف سنة إحدى أو اثنتين وستين وأربعمائة.
    ـ كان من المكثرين من الشيوخ، فقد بلغ عدد شيوخه خمسمائة رجلاً ومن أشهرهم: أبو اليسر البزدوي، وعبد الله بن علي بن عيسى النسفي. وأخذ عنه خلقٌ كثير، وله مؤلفات بلغت المائة، منها: مجمع العلوم، التيسير في تفسير القرآن، النجاح في شرح كتاب أخبار الصحاح في شرح البخاري وكتاب العقائد المشهورة بالعقائد النسفية، والذي يعد من أهم المتون في العقيدة الماتريدية وهو عبارة عن مختصر لتبصرة الأدلة لأبي المعين النسفي قال فيه السمعاني في ترجمة له: "كان إماماً فاضلاً متقناً، صنَّف في كل نوع من التفسير والحديث.. فلما وافيت سمرقند استعرت عدة كتب من تصانيفه، فرأيت فيها أوهاماً كثيرة خارجة عن الحد، فعرفت أنه كان ممن أحب الحديث، ولم يرزق فهمه".
    ـ توفي بسمرقند ليلة الخميس ثاني عشر من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.

    · مرحلة التوسع والانتشار: [700 - 1300هـ]: وتعد من أهم مراحل الماتريدية حيث بلغت أوجَ توسعها وانتشارها في هذه المرحلة؛ وما ذلك إلا لمناصرة سلاطين الدولة العثمانية، فكان سلطان الماتريدية يتسع حسب اتساع سلطان الدولة العثمانية، فانتشرت في: شرق الأرض، وغربها، وبلاد العرب، والعجم، والهند، والترك، وفارس، والروم.
    وبرز فيها أمثال: الكمال بن الهمام صاحب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، والذي ما زال يدرَّس في بعض الجامعات الإسلامية. وفي هذا الدور كثرت فيها تأليف الكتب الكلامية من: المتون، والشروح، والشروح على الشروح، والحواشي على الشروح.
    وهناك مدراس مازالت تتبنى الدعوة للماتريدية في شبه القارة الهندية وتتمثل في:
    ـ مدرسة ديوبند والندوية [1283هـ ـ …] وفيها كثر الاهتمام بالتأليف في علم الحديث وشروحه، فالديوبندية أئمة في العلوم النقلية والعقلية؛ إلا أنهم متصوفة محضة، وعند كثير منهم بدعٌ قبورية، كما يشهد عليهم كتابهم المهنَّد على المفنَّد لـ الشيخ خليل أحمد السهارنفوري أحد أئمتهم، وهو من أهم كتب الديوبندية في العقيدة، ولا تختلف عنها المدرسة الندوية في كونها ماتريدية العقيدة.

    ـ مدرسة البريلوي [1272هـ ـ…] نسبة إلى زعيمهم أحمد رضا خان الأفغاني الحنفي الماتريدي الصوفي الملقب بعبد المصطفي [1340هـ] وفي هذا الدور يظهر الإشراك الصريح، والدعوة إلى عبادة القبور، وشدة العداوة للديوبندية، وتكفيرهم فضلاً عن تكفير أهل السنة.

    ـ مدرسة الكوثري [ 1296هـ ـ …] وتنسب إلى الشيخ محمد زاهد الكوثري الجركسي الحنفي الماتريدي (1371هـ) ويظهر فيها شدة الطعن في أئمة الإسلام ولعنهم، وجعلهم مجسمة ومشبهة، وجعل كتب السلف ككتب: التوحيد، الإبانة، الشريعة، والصفات، والعلو، وغيرها من كتب أئمة السنة، كتب وثنيةٍ وتجسيمٍ وتشبيهٍ، كما يظهر فيها أيضاً شدة الدعوة إلى البدع الشركية وللتصوف من تعظيم القبور والمقبورين تحت ستار التوسل.
    انظر تعليقات الكوثري على كتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وكتاب مقالات الكوثري.

    3 - أهم الأفكار والمعتقدات:
    · من حيث مصدر التلقي: قسّم الماتريدية أصول الدين حسب التلقي إلى:
    ـ الإلهيات [العقليات]: وهي ما يستقل العقل بإثباتها والنقل تابع له، وتشمل أبواب التوحيد والصفات.
    ـ الشرعيات [السمعيات]: وهي الأمور التي يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها مثل: النبوات، و عذاب القبر، وأمور الآخرة، علماُ بأن بعضهم جعل النبوات من قبيل العقليات.

    ولا يخفي ما في هذا من مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، حيث إن القرآن والسنة وإجماع الصحابة هم مصادر التلقي عندهم، فضلاُ عن مخالفتهم في بدعة تقسيم أصول الدين إلى: عقليات وسمعيات، والتي قامت على فكرة باطلة أصّلها الفلاسفة من: أن نصوص الدين متعارضة مع العقل، فعملوا على التوسط بين العقل والنقل، مما اضطرهم إلى إقحام العقل في غير مجالات بحثه؛ فخرجوا بأحكام باطلة تصطدم مع الشرع ألجأتهم إلى التأويل والتفويض، بينما لا منافاة عند أهل السنة والجماعة بين العقل والسليم الصريح والنقل الصحيح.

    · بناءً على التقسيم السابق فإن موقفهم من الأدلة النقلية في مسائل الإلهيات [العقليات] كالتالي:
    ـ إن كان من نصوص القرآن الكريم والسنة المتواترة مما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة عندهم، أي مقبولاً عقلاُ، خالياً من التعارض مع عقولهم؛ فإنهم يحتجون به في تقرير العقيدة. وأما إن كان قطعي الثبوت ظني الدلالة عندهم أي: مخالفاً لعقولهم، فإنه لا يفيد اليقين، ولذلك تُؤوَّل الأدلة النقلية بما يوافق الأدلة العقلية، أو تفويض معانيها إلى الله عز وجل. وهم في ذلك مضطربون، فليست عندهم قاعدة مستقيمة في التأويل والتفويض؛ فمنهم من رجّح التأويل على التفويض، ومنهم من رجّح التفويض، ومنهم من أجاز الأمرين، وبعضهم رأى أن التأويل لأهل النظر والاستدلال، والتفويض أليق للعوام.
    والملاحظ أن القول بالتأويل لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحاب القرون المفضلة، وإنما هي بدعة دخلت على الجهمية والمعتزلة من اليهود والنصارى، وإلى التأويل يرجع جميع ما أُحدث في الإسلام من بدع فرَّقت شمل الأمة، وهو أشرُّ من التعطيل؛ حيث يستلزم التشبيه، والتعطيل، واتهاماً للرسول صلى الله عليه وسلم بالجهل، أو كتمان بيان ما أنزل الله.
    وأما القول بالتفويض فهو من أشر أقوال أهل البدع لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن، واستلزام تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين.
    ـ وإن كان من أحاديث الآحاد فإنها عندهم تفيد الظن، ولا تفيد العلم اليقيني، ولا يعمل بها في الأحكام الشرعية مطلقاً، بل وفق قواعدهم وأصولهم التي قرروها، وأما في العقائد فإنه لا يحتج بها، ولا تثبت بها عقيدة، وإن اشتملت على جميع الشروط المذكورة في أصول الفقه، وإن وردت مخالفة للعقل ولا تحتمل التأويل رُدَّت بافتراء ناقله أو سهوه أو غلطة، وإن كانت ظاهرة فظاهرها غير مراد، وهذا موقف الماتريدية قديماً وحديثاً؛ حتى أن الكوثري ومن وافقه من الديوبندية طعنوا في كتب السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة بما فيها الصحيحين، وفي عقيدة أئمة السنة مثل: حماد بن سلمة راوي أحاديث الصفات، والإمام الدارمي عثمان بن سعيد صاحب السنن. وهذا قول مبتدع محدث ابتدعته القدرية والمعتزلة، لأن الأحاديث حجة عليهم وهو مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يبعث الرسل إلى الملوك والرؤساء فُرادَى يدعونهم إلى الإسلام. وكذلك فإن تقسيم ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى متواتر وآحاد لم يكن معروفاً في عصر الصحابة والتابعين.
    ـ كما رتبوا على ذلك وجوب معرفة الله تعالى بالعقل قبل ورود السمع، واعتبروه أول واجب على المكلف، ولا يعذر بتركه ذلك، بل يعاقب عليه ولو قبل بعثة الأنبياء والرسل. وبهذا وافقوا قول المعتزلة: وهو قول ظاهر البطلان، تعارضه الأدلة من الكتاب والسنة التي تبين أن معرفة الله تعالى يوجبها العقل، ويذم من يتركها، لكن العقاب على الترك لا يكون إلا بعد ورود الشرع، يقول الله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) [سورة الإسراء الآية 15] وأن أول واجب على المكلف، وبه يكون مسلماً: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والبراءة من كل دين يخالف دين الإسلام على الإجمال، ولهذا لما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن لم يأمره بغير ذلك. وكذلك الأنبياء لم يدعوا أقوامهم إلا بقول :
    (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) [سورة الأعراف الآية 59].
    ـ وقالوا أيضاً بالتحسين والتقبيح العقليين ( * )، حيث يدرك العقل حسن الأشياء وقبحها، إلا أنهم اختلفوا في حكم الله تعالى بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح.
    فمنهم من قال: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسول ؛ كما سبق، ومنهم من قال بعكس ذلك.

    ـ وذهبت كذلك الماتريدية كغيرها من الفرق الكلامية إلى أن المجاز واقع في اللغة والقرآن والحديث ؛ ويقصدون بالمجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، وهو قسيم الحقيقة عندهم. ولذلك اعتمدوا عليه في تأويل النصوص دفعاً ـ في ظنهم ـ لشبه التجسيم والتشبيه . وهو بهذا المعنى : قول مبتدع، محدث، لا أصل له في اللغة ولا في الشرع. ولم يتكلم فيه أئمة اللغة: كالخليل بن أحمد، وسيبويه فضلاً عن أئمة الفقهاء والأصوليين المتقدمين.
    ـ مفهوم التوحيد عند الماتريدية هو: إثبات أن الله تعالى واحد في ذاته، لا قسيم له، ولا جزء له، واحد في صفاته، لا شبيه له، واحد في أفعاله، لا يشاركه أحد في إيجاد المصنوعات، ولذلك بذلوا غاية جهدهم في إثبات هذا النوع من التوحيد باعتبار أن الإله عندهم هو: القادر على الاختراع. مستخدمين في ذلك الأدلة والمقاييس العقلية والفلسفية التي أحدثها المعتزلة والجهمية ، مثل دليل حدوث الجواهر والأعراض، وهي أدلة طعن فيها السلف والأئمة وأتباعهم وأساطين الكلام والفلسفة وبينوا أن الطرق التي دل عليها القرآن أصح. بيّن ذلك أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر، وابن رشد الحفيد في مناهج الأدلة. وشيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل.

    وأيضاً خالفوا أهل السنة والجماعة : بتسويتهم بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فالإله عند أهل السنة: المألوه المعبود الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له. وما أرسلت الرسل إلا لتقرير ذلك الأمر، ودعوة البشرية إلى توحيد الله تعالى في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته.

    ـ أثبتوا لله تعالى أسماءه الحسنى، وقالوا: لا يسمَّى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، وجاء به الشرع. وفي ذلك وافقوا أهل السنة والجماعة في القول بالتوقيف في أسمائه تعالى إلا أنهم خالفوهم فيما أدخلوه في أسمائه تعالى: كالصانع، القديم،الذات … حيث لم يفرقوا بين باب الإخبار عن الله تعالى وباب التسمية.

    ـ وقالوا بإثبات ثماني صفاتٍ لله تعالى فقط، على خلاف بينهم وهي: الحياة، القدرة، العلم، الإرادة، السمع، البصر، الكلام، التكوين. وعلى أن جميع الأفعال المتعدية ترجع إلى التكوين، أما ما عدا ذلك من الصفات التي دل عليها الكتاب والسنة [ الصفات الخبرية ] من صفات ذاتية، أو صفات فعلية، فإنها لا تدخل في نطاق العقل ، ولذلك قالوا بنفيها جميعاً. أما أهل السنة والجماعة فهم كما يعتقدون في الأسماء يعتقدون في الصفات وأنها جميعاً توقيفية، ويؤمنون بها " بإثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، مع تفويض الكيفية وإثبات المعنى اللائق بالله ـ تعالى ـ لقوله تعالى: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ).

    ـ قولهم بأن القرآن الكريم ليس بكلام الله تعالى على الحقيقة، وإنما هو كلام الله تعالى النفسي، لا يسمع، وإنما يسمع ما هو عبارة عنه، ولذلك فإن الكتب بما فيها القرآن مخلوقة ؛ وهو قول مبتدع محدث لم يدل عليه الكتاب ولا السنة، ولم يرد عن سلف الأمة. وأول من ابتدعه ابن كلاب. فالله تعالى يتكلم إذا شاء متى شاء بما شاء، ولا يزال يتكلم كما كلم موسى، ويكلم عباده يوم القيامة، والقرآن كلام الله تعالى على الحقيقة، غير مخلوق. وكذلك التوراة والإنجيل والزبور. وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة من سلف الأمة الصالح ومن تبعهم بإحسان.

    ـ تقول الماتريدية في الإيمان أنه التصديق بالقلب فقط، وأضاف بعضهم الإقرار باللسان، ومنعوا زيادته ونقصانه، وقالوا بتحريم الاستثناء فيه، وأن الإسلام والإيمان مترادفان، لا فرق بينهما، فوافقوا المرجئة في ذلك
    ، وخالفوا أهل السنة والجماعة ، حيث إن الإيمان عندهم: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، و عمل بالأركان. يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. ويجوز الاستثناء فيه [ والمقصود عدم تزكية النفس ] والإيمان والإسلام متلازمان، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.

    · وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في الإيمان بالسمعيات مثل: أحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر، والنشر، والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة، والنار ؛ لأنهم جعلوا مصدر التلقي فيها السمع، لأنها من الأمور الممكنة التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها نصوص الكتاب والسنة.
    ـ وبالتالي فإنهم أثبتوا رؤية الله تعالى في الآخرة ؛ ولكن مع نفي الجهة والمقابلة. وهذا قول متناقض حيث أثبتوا ما لا يمكن رؤيته، ولا يخفي مخالفته لما عليه أهل السنة والجماعة.
    · كما وافقت الماتريدية أهل السنة والجماعة في القول في الصحابة على ترتيب خلافتهم، وأن ما وقع بينهم كان خطأ عن اجتهاد منهم ؛ ولذا يجب الكف عن الطعن فيهم، لأن الطعن فيهم إما كفر، أو بدعة ، أو فسق. كما يرون أن الخلافة في قريش، وتجوز الصلاة خلف كل برٍ وفاجرٍ، ولا يجوز الخروج على الإمام الجائر.
    · وأيضاً وافقوا أهل السنة والجماعة في القول: بالقدر، والقدرة، والاستطاعة، على أن كل ما يقع في الكون بمشيئة الله تعالى وإرادته، وأن أفعال العباد من خير وشر من خلق الله تعالى وأن للعباد أفعالاً اختيارية، يثأبون عليها، ويعاقبون عليها، وأن العبد مختار في الأفعال التكليفية غير مجبور على فعلها.

    - قالت الماتريدية بعدم جواز التكليف بما لا يُطاق موافقة المعتزلة في ذلك،
    والذي عليه أهل السنة والجماعة هو: التفصيل، وعدم إطلاق القول بالجواز أو بالمنع.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة

    الماتريدية

    1 - التعريف:
    الماتريدية: فرقة كلامية (بدعية)، تُنسب إلى أبي منصور الماتريدي، قامت على استخدام البراهين والدلائل العقلية والكلامية في محاججة خصومها، من المعتزلة والجهمية وغيرهم، لإثبات حقائق الدين والعقيدة الإسلامية
    كل منهم يعتمد على العقل فاختلفوا !!! إن الهدى في كتاب الله تبارك وتعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، كما كان السلف الصالح
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا يا شيخ أبا مالك .
    للشمس الأفغاني كتاب مهم جدًّا بعنوان (عداء الماتريدية للعقيدة السلفية) أو (الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات)
    مطبوع في 3 مجلدات وهو مصور ومنشور على الشبكة .
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  4. افتراضي

    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    بارك الله فيكم جميعا ، وشكر لكم مروركم الكريم ، وجزاكم خيرا على الإضافات والفوائد .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •