قال الامام الشوكاني

"فَإِن هَذِه رُتْبَة- التشريع - لم تكن إِلَّا لله ومنزلة لَا ينزلها غَيره وَلَا يدعيها سواهُ فَمن ادَّعَاهَا لغيره تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا فقد أَدخل نَفسه فِي بَاب من أَبْوَاب الشّرك وَكَانَ ذَلِك هُوَ الْفَائِدَة الَّتِي استفادها من طلبه وَالرِّبْح الَّذِي ربحه من تَعبه ونصبه وَصَارَ اشْتِغَاله بِالْعلمِ جِنَايَة عَلَيْهِ ومحنة لَهُ ومصيبة أصَاب بهَا نَفسه وبلية قادها إِلَيْهَا ومعصية كَانَ عَنْهَا بِالْجَهْلِ وَعدم الطّلب فِي رَاحَة
وَهَكَذَا من لم يحسن لنَفسِهِ الِاخْتِيَار وَلَا سلك فِيهَا مسالك الْأَبْرَار وَلَا اقْتدى بِمن أَمر الله الِاقْتِدَاء بِهِ من أهل الْعلم الَّذين جعلهم محلا لذَلِك ومرجعا

فَإِذا تقرر لَك هَذَا وَعلمت بِمَا فِيهِ من الضَّرَر الْعَظِيم الَّذِي يمحق بركَة الْعلم ويشوه وَجهه ويصيره بعد أَن كَانَ من الْعِبَادَات الَّتِي لَا تشبهها طَاعَة وَلَا تماثلها قربَة مَعْصِيّة مَحْضَة وخطيئة خَالِصَة تبين لَك نفع مَا أرشد إِلَيْهِ من تحري الْإِيمَان الَّذِي من أعظم أَرْكَانه وأهم مَا يحصله لَك أَن تكون منصفا لَا متعصب فِي شَيْء من هَذِه الشَّرِيعَة فَإِنَّهَا وَدِيعَة الله عنْدك وأمانته لديك فَلَا تخنها وتمحق بركتها بالتعصب لعالم من عُلَمَاء الْإِسْلَام بِأَن تجْعَل مَا يصدر عَنهُ من الرَّأْي ويروى لَهُ من الِاجْتِهَاد حجَّة عَلَيْك وعَلى سَائِر الْعباد

فَإنَّك إِن فعلت ذَلِك كنت قد جعلته شَارِعا لَا متشرعا مُكَلّفا لَا مُكَلّفا وتعبدا لَا متعبدا وَفِي هَذَا من الْخطر علك والوبال لَك مَا قدمْنَاهُ فَإِنَّهُ وَإِن فضلك بِنَوْع من أَنْوَاع الْعلم وفَاق عَلَيْك بمدرك من مدارك الْفَهم فَهُوَ لم يخرج بذلك عَن كَونه مَحْكُومًا عَلَيْهِ متعبدا بِمَا أَنْت متعبد فضلا عَن أَن يرْتَفع عَن هَذِه الدرجَة إِلَى دَرَجَة يكون رَأْيه فِيهَا حجَّة على الْعباد واجتهاده لَدَيْهَا لَازِما لَهُم

بل الْوَاجِب عَلَيْك أَن تعترف لَهُ بِالسَّبقِ وتقر لَهُ بعلو الدرجَة اللائقة بِهِ فِي الْعلم مُعْتَقدًا أَن ذَلِك الِاجْتِهَاد الَّذِي اجتهده وَالِاخْتِيَار الَّذِي اخْتَارَهُ لنَفسِهِ بعد إحاطته بِمَا لَا بُد مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يجب عَلَيْهِ غَيره وَلَا يلْزمه سواهُ لما ثَبت فِي = الصَّحِيح = عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طرق أَنه إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَإِن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَفِي خَارج = الصِّحَاح = فِي طرق أَنه إِذا أصَاب فَلهُ عشر أجور وَقد صَححهُ الْحَاكِم فِي = الْمُسْتَدْرك = وَفضل الله وَاسع وعطاؤه جم"

ادب الطلب ص 32