أفتقد ذاك المحيط الطاهر، يوم أن كنتُ أدرج إلى مكتبتي أقرأ وأحفظ وأكتب دون أن يعلم بي أحد، دون أن أغرد بفائدة من هذا الكتاب أو ذاك، دون أن أصور صفحات مما بين يدي من الكتب لأزج بها في أحد قروبات الواتس، دون أن يشتغل قلبي بالتفكير في طرق إعادة إنتاج ما أحصِّله عبر برامج التواصل الحديثة ..
كانت تلك اللحظات من أشد لحظات التحصيل طهرًا وصفاءً، كانت النية أحسن تجردًا مما هي عليه الآن، والهمة أكثر صدقًا، والعزيمة أكثر نفوذًا ..
كان الوقت خالصًا للطلب والتحصيل قبل أن تكدِّر صفاءَه برامج التواصل .. والآن، فقد أصبح كل شيء شائعًا، أو هكذا أحببنا له أن يكون!
كان (الخروج) جامعَ المعوقات عن التحصيل، فإذا أغلق الطالب دونه باب مكتبته تخلص بذلك من كل العوائق .. والآن، فقد أصبحت حياته كلها خروجا، ولو كان في جوف كتابه!
سائل نفسك، هل يمكنك وقد تلطختَ بهذه الوسائل أن تفيء إلى زاوية من مكتبتك، تمكث فيه لياليَ وأيامًا، آمنًا، دون أن تفضي لأحد بمقروءاتك، بمكتوباتك، بمشاريعك؟
دون أن تتقطع أوصال أوقاتك بتغريدات تويترية، بمقاطع يوتيوبية، بمحادثات واتسبية؟
كم أتمنى أن يكون جوابك (نعم)
لكنك مسكين، لا تملك إلا أن تقول: لا !!
مشاري الشثري
(عنوان الخاطرة بتصرف مني)
قناة " ثقافة " على التليجرام
telegram.me/thqafh