النجاح والفشل والتعويض بالمهدوية:
تعتبر دعوة النبي صلّى الله عليه وسلم عند السنة أنجح الدعوات في التاريخ، تربويًا وحضاريًا واجتماعيًا وسياسيًا، وكل ما حصل فيها هو مما يقتدى به, وكذا سيرة الخلفاء الراشدين التي كانت نجاحا في القضاء على الردة، وفي فتح الفتوح وتنظيم شؤون الدولة وغيرها من الإنجازات. وحتى بعد الخلافة الراشدة، ينظر السنة للجوانب الإيجابية في فترة الدولة الأموية والعباسية والعثمانية والمماليك، في علو شأن المسلمين وبسط هيمنة الإسلام على رقعة واسعة من العالم.
الشيعة من جهتهم لا يعترفونبهذه النجاحات، لأن النجاح عندهم مرتبط فقط بمدى تمكين الأئمة. واول فشل عندهم هو فشل النبي عليه الصلاة والسلام (حاشاه) في التربية، حيث لم تنتج تربيته إلا مجتمعا من المتآمرين على إقصاء حق الأئمة (٧).
(7) [ إتهام النبي عليه الصلاة والسلام بالفشل (حاشاه)، مبثوب بشكل ضمني في كل كتب الشيعة، لكن لم أطلع على تصريح بكلمة فشل، إلا عند الخميني في خطبة ألقاها بمناسبة ذكرى مولد المهدي في ١٥/شعبان /١٤٠٠ هـ حيث اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النجاح قال (( لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة، لم ينجح في ذلك )) (نهج خميني ص٤٦)].
وما دام الصحابة تمالؤا على إقصاء علي بن أبي طالب ثلاث مرات، فهذا فشل تاريخي آخر في حياة الخلفاء الراشدين. وحتى تولي علي الخلافة لم يكن نجاحا بالطريقة التي يفترضونها، بل كان تمكينا ناقصا ولم يحقق التخلص من الذين خذلوه. أما ما حصل بعد ذلك من خلافة الأمويين والعباسيين، فقد كان فشلا أعظم، بل كارثة حلت بالأمة طبقا لحساباتهم، ولا قيمة لكل ما قدمه الخلفاء حتى العادلين منهم ما داموا لم يمكنوا لآل البيت(٨).
(8) [نموذج لتعامل الشيعة مع العهد الأموي والعباسي كتاب : ( أضواء على عقائد الشيعة الإمامية وتاريخهم، تأليف : آية الله جعفر السبحاني ].
النتيجة: اللجوء إلى حل خارق للسنن الكونية والنواميس التاريخية كالاتي:
ما دامت التجربة التاريخية أثبتت أنه حتى القيادة والتربية النبوية لم تنجح، ولم يتحقق التمكين لآل البيت على مدى قرون طويلة فما هو المخرج ؟ المخرج هو نفس مخرج إشكالية الأقلية، وذلك بتغيير قواعد التاريخ بقدرات خارقة وتصورات إعجازية، بشخصية المهدي الأسطورية، وطريقة خروجه التي تخالف قوانين الكون ونواميس الحياة. ولذلك تجد في أدبياتهم مبالغات في تمكين المهدي، وسيطرته المطلقة، وشفاء غليلهم في الصحابة بإحيائهم والانتقام منهم(٩).
(9) [ من نماذج ذلك، ما ينقله المجلسي عن جعفر الصادق زعمه تفاصيل خروج المهدي، ونبش قبري أبي بكر وعمر وإحيائهما، ثم يحاكمهما على ما يزعم من الجرائم فيقول"كل ذلك يعدده عليهما و يلزمهما إياه فيعترفان به، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، و يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة، ثم يأمر ريحا فتنسفهما فِي الْيَمِّ نَسْفاً" بحارالأنوار ج : ٥٣ ص : ١٢].
منقووول