المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جهاد عمران
لا، وإنّما كنت أعني هل نفس الإجماع بذاته حجة(وإن لم يكن مبتنِِ على دليل)، أم يشترط فيه أن يكون مبتنِِ على دليل وإن لم يصلنا؟
وشكرا لك وللأخ أبو مالك المديني
وإياك، وبارك الله فيك وفي شيخنا:
ولمزيد البيان أنقل لك تفصيل المسألة من كتاب: (المهذب في علم أصول الفقه المقارن): (2/ 900 - 902)، للدكتور عبد الكريم النملة رحمه الله:
المسألة الثانية عشرة: هل يشترط في انعقاد الإجماع وحجيته
أن يكون له مستند ودليل؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يشترط في الإجماع وحجيته أن يكون له مستند
ودليل ومأخذ يوجب ذلك الإجماع.
وهو مذهب كثير من العلماء، وهو الحق؛ للأدلة التالية:
الدليل الأول: قياس علماء الأمَّة على النبي - صلى الله عليه وسلم ، بيانه:
أنه كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول شيئًا ولا يحكم بحكم إلا عن وحي، كما قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هو إلا وحي
يوحى)، فكذلك علماء الأُمَّة يجب أن لا يجمعوا على حكم إلا
عن مستند ودليل قد اعتمدوا عليه.
الدليل الثاني: أن عدم المستند من دليل أو أمارة يحتمل عدم
الوصول إلى الحق، مما يؤدي ويفضي إلى جواز الخطأ، فلذلك
قلنا: لا ينعقد الإجماع إلا عن مستند؛ سدًا لهذا الاحتمال.
الدليل الثالث: لو جاز انعقاد الإجماع من غير دليل لم يكن
لاشتراط الاجتهاد فيمن يُعتدُّ به في الإجماع معنى؛ لأننالم نشترط بلوغ درجة الاجتهاد لكل واحد من المجمعين إلا من أجل أن ينظر في
المسألة عن استدلال، وأن يعتمد فيما يقول على دليل وأمارة، ولو
كان الإجماع ينعقد بلا مستند لدخل المجتهد وغير المجتهد.
المذهب الثاني: أنه لا يشترط في الإجماع أن يكون له مستند،
فيجوز انعقاد الإجماع عن غير مستند، وذلك بأن يوفقهم اللَّه تعالى
لاختيار الصواب من غير أن يكون لهم مستند أو دليل يستندون إليه،
وهو مذهب طائفة شاذة، وقيل: إنه مذهب بعض أهل الأهواء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: الوقوع، فقد وقع الإجماع عن غير دليل وغير
مستند، والوقوع دليل الجواز، وذلك كإجماع العلماء على جواز
عقد الاستصناع، وأجرة الحمام، وبيع المعاطاة أو المراضاة.
جوابه:
لا نسلم أن هناك أحكامًا شرعية قد أجمع العلماء عليها بدون
مستند.
أما ما ذكرتموه من الأمثلة والصور، فلم يقع الإجماع عليها إلا
عن دليل ومستند، وإليك بيان ذلك:
أما عقد الاستصناع، فقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينكره - مع علمه به - فكان ثبوته عن طريق السُّنَّة التقريرية.
أما أجرة الحمام فهي مقدرة بالعادة والعرف، وهو دليل شرعي؛
لقوله تعالى: (من أوسط ما تطعمون أهليكم).
أما بيع المراضاة - وهو ما حصل بتراضي الجانبين - بلا لفظ -فلا نسلم أنه صحيح - بإجماع العلماء، بل خالف في ذلك الإمام
الشافعي - رحمه اللَّه -.
الدليل الثاني: لو لم ينعقد الإجماع إلا عن مستند ودليل، لكان
ذلك الدليل هو الحُجَّة في المسألة، فلا يكون للإجماع فائدة.
جوابه:
لا نسلم ذلك، بل إن فائدة الإجماع هي: أنه يكفينا مؤنة
الرجوع إلى أدلة المجمعين، وكيفية دلالة كل دليل على مدلوله ونحو
ذلك.
فإذا قيل: إن العلماء أجمعوا على حكم تلك المسألة نكتفي
بذلك، ولا نسأل عن أدلة المجمعين.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ لأنه لا يعمل بالإجماع الذي لا مستند له،
وقيل: إن الخلاف لفظي؛ لعدم اختلاف عمل المكلف على المذهبين.