حلُّ الإشكال:
1- أولًا.. كقاعدةٍ عامَّةٍ ههنا سؤالٌ: ما موقف المسلم من وجود مخالفةٍ ظاهرةٍ مظنونةٍ بين الواقع المشاهد والمحسوس وبين النَّصِّ أو"مفهومه"؟
موقفه: وجوب الإيمان بمدلول النَّصِّ بدل المسارعة في ردِّه أوتكذيبه أو تحريفه "بما يسمُّونه تأويلًا".
والله عزوجل قد حكى حال قومٍ؛ فقال عنهم: ((بل كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمَّا يأتهم تأويله)).
فيجب على المؤمن المستيقن بإيمانه المتمسِّك به أنْ يتَّهم عقله ورأيه وقِصَر عِلْمِه إن رأى ما يظنُّ أنَّه مخالفٌ للنَّصِّ ظاهرًا.
والشَّرع قد يأتي بمحارات العقول أحيانًا، ولكنِّه لا يأتي بما يحيله العقل.
ولم يطالبنا الشَّارع -بل لا يقبل منَّا- في إيماننا بأخباره أن نعمل فيه معاييرمعيَّنة قبل قبوله، كالنَّظر في الواقع المشاهد والعقل البشري الضعيف.. الخ.
والعبرة حاصلةٌ بحادثة الإسراء والمعراج التي تخالف الحِسَّ البشري والحسابات الدُّنيويَّة، لذا كذَّبها الكافرون وارتدَّ لأجلها من لم يرسخ إيمانهم، لكن موقف أبي بكر "الصِّديق" هي العلامة الفارقة في مثل هذه الأخبار.
وهَبْ أنَّ هذه الحادثة "الإسراء والمعراج" في هذا الزمان مع وجود الطائرات النفَّاثة التي تفوق سرعة الصوت بمرارٍ والصواريخ التي يُصعد بها للسَّماء =فهل تُرى كلُّ النَّاس مصدِّقين بها؟! أم يرجعون إلى حساباتهم التِّقنيَّة لينظروا إمكانيَّة ذلك وعدم إمكانيَّته؟!
2- ثانيًا: الاستشكال في متن الحديث بمجرَّد وجدان بعض بقايا الأمم السَّالفة التي تؤيِّد معناه أو لا تؤيِّده =غير ناهضٍ للتَّشكيك في ثبوته.
وبيان هذا من وجهين:
الأول: حصول التقاصر في أطوال بني آدم لم يحدَّد بنسبة معيَّنةٍ ولا بزمنٍ محدَّد، فما وُجِد من بقايا قوم ثمود أوغيرهم لا يدلُّ بالضَّرورة أنَّ التَّقاصر كان لا يزال مستمرًّا حتى زمانهم، فاحتمال توقُّف التقاصر قبل زمانهم وارد، ومتى وُجِد الاحتمال بطل الاستدلال بلْه مجرَّد التشكيك!
فقد يكون التقاصر قد توقَّف في أزمان لم يوقف على عظام وجماجم موتى أهلها، وهذا الاحتمال هو الأقوى ما دام أنَّنا لم نجد شيئًا.
الثاني: ما أشاعه بعض مهرطقة هذا الزمان وملاحدته كـ"دارون" ومن نحا نحوه، ومن متتبِّعي آثار الهياكل والجماجم وبقايا الميتات والعفونات (!) لا يصلح دليلًا لزعزعة إيماننا بما أُخبرنا به، فهَب أنَّ ما وجدوه من الهياكل والجماجم الآدميَّة هو صحيح النِّسبة من جهة الزَّمن الذي زعموه رجمًا بالغيب؛ بزعمهم أنَّ الجمجمة الفلانيَّة تعود لأرقام فلكيَّةٍ زمنيَّة =أقول هَب أنَّ ذلك صحيحٌ فهل هو كلُّ شيءٍ من بقايا خلق الله الغابرة؟!
فلو خيَّب الله سعيهم وتنقيرهم وبحثهم تحت الصخور والأودية والمستنقعات فلم يظفروا بجمجمة كبيرة وعظام طويلة فما ذنبنا نحن؟! (ابتسامة) وما ضرَّ عِلْم العاِلم -سبحانه- وخبره قصور جهل الجاهل وضعف سعيه.
والقاعدة تقول: عدم الوجود لا يقتضي وجود العدم.
ورابط هامٌّ في موضوعٍ شديد الصِّلة طرقته منذ بضع سنين:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=3794
وللحديث تتمَّة..