انتفاضة العقيدة
زكي بن محمد المصمودي التلمساني
الحمدُ لله الذي أذهب عنَّا الحَزَن، إن ربَّنا لغفورٌ شَكُور، و الصَّلاةُ والسَّلامُ على من علَّمَنا الصَّبرَ أيَّامَ المِحَن، إنَّ رسولنا بالمؤمنين لرؤوفٌ رحيم.
ما أجْمَلَ أن يعيشَ المرءُ في دُنياه برسالةٍ يحمِلها إلى إلاهِه و مولاه، عنوانُها العبوديَّة فلا يعبُدُ ربَّا سِواه..و من أراد عُلُوَّ بُنيانِه فعليه بتوثيق أساسِه و إِحكامِه و شدّة الإعتناء به، فإنَّ عُلوَّ البُنيانِ على قَدْرِ توثيقِ الأساسِ و إِحكامِهِ (1)، و مِن هنا كانَ أوْلَى ما يَجبُ علينا أن نهتَّمَ به عِلما ودعوةً و إصلاحا العقيدةُ، و كلُّ دعوة تقومُ على دَعْوَى الإصلاحِ و لا تُركِّزُ عليها يُخشى عليها أن لاَ تنبُتَ، و إنْ نَبَتَت فلا تَثبُت، كالذينَ اشتغَلوا بِزراعةِ المنازلِ و الحدائق و تركوا القُلوبِ جرداءَ مِن عقيدةٍ سليمةٍ أو عُبوديَّةٍ مستقيمةٍ، أو كالذينَ أفْنَوا أعمارَهم في تَقويم السُلوكِ مِن غيرِ أبوابِ العقيدةِ، أو الذين راموا صناعةَ المثاليةِ بأوهامِهِم البالية و تخرصاتِهم الواهيةِ، مُستورِدين نظرياتٍ عليها توقيعُ العِلمانيةِ، مِن حيثُ شعروا أم لم يشعروا..
و لِمنزِلةِ العقيدةِ في الأُمَّة إذْ هي منها بِمنزِلةِ الرُوح، صُوِّبَت و تُصَوَّبُ لها سِهامٌ لا تُخطِئُ و رِماحٌ لا تَحِيدُ، تَبغي إصابةَ مَقَاتِلِها و هَدَّ أركانِها و هزَّ أُسُسِها– لكنَّ اللهَ خيرٌ حافظا- . وَ قدْ أدركَ أَعاديها هذِه الحقيقة المُرَّة عِندَهُم مَرارةَ الحَنظَلِ، و علِمُوا أنَّ الوَجَلَ كُلَّ الوَجَل مِن ذلك الرَجُل، أعني رَجُلَ العَقيدَةِ الذي يَدُكُّ حُصُونَهُم بِحِدَّتِهِ و يكسِرُ شوكتَهُم بِصلابَتِهِ،فما أُغمِضَ لَهُم جَفنٌ حتَّى سَعَوْا مِن الخارِجِ بِحملاتٍ تغريبٍيّة تُريدُ تَذويبَها أو مَسخها، حتَّى إنَّكَ تَرى الفتى قائما بينَ يديْكَ فَتَخَالُهُ كُلَّ شيء إلاَّ أنْ يكونَ يحملُ بين جَنبَيْهِ هَمَّ دينهِ و وطنهِ و عشيرتِه، و مِن الداخلِ بِحملاتٍ تَمييعيَّة تُهوِّنُ مِن شأنِها، و تُؤيِّدُها هَجَماتٌ أُخرى حانقةٌ لا تكادٌ تُؤمنُ إلاَّ بالإستِئصالِية، بالزجِّ في السُجون و النفيِ عن الدِيار أو حتَّى قَطْعِ الرِقابِ.
زِدْ على ذلك ما يراه العُقُلاءُ من هَشاشَةِ الصُفوفِ الداخليَّة و رَخَاوَتِهَا في ظِلِّ تَذَبْذُبِ التَصوراتِ و تَعدُّدِ الولاءات، أو إِختزالِ الوِحدةِ في صُورةٍ مظهريةٍ جوفاء كَنِتاجٍ لِتربِيةٍ حماسيةٍ تكثيفيّةٍ ترقيعيّة، مع تَشعبِ الطَوايا في زَمَن تَعاقُبِ الرزايا.
فمَا أحوجَنَا اليَومَ إلَى اِنتفاضةٍ في العقيدةِ تكونُ البداءةُ فيها بالنفسِ أوّلا ثمّ تتعدَى لتَشمَلَ و تعُمَّ، و إلاَّ سَيضِيعُ هذَا المدُّ الهَادرُ من الشبابِ الذي يَرنو بِبصرهِ و يَهفو بِبصيرتِهِ إلَى عِزٍ مَكينٍ و نَصرٍ مَتينٍ.. فوَاجِبُنا أنْ نُثيرَ هِمما راكِدةً و نُوقظَ أحلاما راقدةً حتَّى نَدفعَ النِقم و تبرأَ الذِمَم، قائلين فلْيكُنْ ما يكُنْ، فإنَّ صاحِبَ العَقيدةِ سينتفِضُ و لو فيِ سَمِّ الخِياط أو على مثلِ حدِّ الصِراطِ... فإذَنْ هِيَ انتفاضَةُ العقيدة.
انتفاضةُ العقيدة ليْست بِدْعًا مِن سُنَنِ الرُسلِ، فما مِنْ رسولٍ أَتَى قَومَهُ بالبيناتِ إلاَّ وقامَ بانتفاضَةِ العقيدَةِ سَخَطا على ما هُم فِيهِ، فإبراهِيمُ يقولُ : ٍ {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } 67: الأنبياء.
فرجُلُ العقيدةِ يتأفَّفُ و يستنكِرُ إنْ كانَ الخَلَلُ يَمَسُّ العقيدة، و لن يبقى أسيرَ صَمتِهِ مهما طالَ بهِ الزَمَنُ أو قَصُر، فهذا مُؤمِنُ فرعون يَرى من الحَيْفِ و الظُلمِ لدعوةِ مُوسى حتَّى يَبلُغُ به السيلُ الزُبَّى فينتفِضُ انتفاضةً في قصرِ أعْتَى القومِ يُخاطِبُهُم بيا قومِ و يا قوم : { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ...} غافر:{28}.
و سحرةُ فرعونَ رأوا البَيِّنات فآمنوا و اهتدَوا، فثارت ثائرتُهُ مُهدِّدا إيَّاهُم بالصَلبِ و التعذيب.. لكنْ هيهات هيهات أن يتزعزعَ رجلُ العقيدةِ، فَلَقلعُ الجَبل أهونُ من زعزعتِه.. فمهما سيسعَى الإستئصاليونَ عبرَ الأزمِنةِ مُتَّبعين سُنَّة فرعون فإنَّهم لا طاقةَ لهم بنزعِ عقيدةٍ ضاربةٍ جذورها في أعماقِ قلوبِ الرجالِ، و لنْ يسمعُوا إلا ما سَمِعَهُ إمامُهم من قبل: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } 72:طه.
ولنْ يكونَ التنكيلُ آخرَ محاولاتهم لكسرِ شوكةِ العقيدةِ، فإنَّهُم يُحاوِلُونَ من قبلُ إنزالَها إلى سوقِ المساومات.. يأتي المشركونَ من قُريش و يعرِضوا على النبيِ صلى الله عليه و سلّم أن يعبدَ آلهتهم و يعبدوا إلاهه بالتناوبِ و التداولِ، فيهبطُ الوحيُ من السماءِ بانتفاضةِ العقيدة: { قلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6} } سورة الكافرون، وكان النبي صلى الله عليه و سلم يفتتح يومه بهذه الانتفاضة.
فلا لسياسةِ إمساكِ العصا مِن نِصفِها في العقيدة، و لا تقريبَ و لا ترقيعَ، إنَّما هُو اختلافٌ لا تناظُرَ فيهِ، و انفِصالٌ لا اتِّصالَ فيه، و تَمَيُّزٌ لا اشتِباه معه:
نُرقِّعُ دنيانا بتمزيقِ ديننا **** فلا ديننا يبقى و لا ما نرقع
فلا للمقاربَةِ بينَ الأديانِ ما دُمنَا نقرأ في كتابنا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ... }آل عمران85 و لا حوارَ معَهُم إلاَّ بـ:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ... }آل عمران:64 .
وَمِنْ جِنسِ المُساومَاتِ، الإِغراءُ بالجاهِ و المال و السُّلطان.. جاءَ إلىَ كعب بن مالك رضي الله عنه أيَّام مِحنتِه كتابٌ من ملك غسّان يدعوه للحاقِ بهِ لمواساته، إلاَّ أنَّه رضي الله عنه انتفضت عقيدَتُهُ و عَمَدَ إلى الرسالة فسَجَرَ بها التنور، هذا معَ قُوَّة الداعي من هجرِ القريبِ الحبيبِ و إغراء البعيدِ المُواسي.
فأينَ أولئكَ الذين باعوا دينهم و عقيدتهم بأثمانٍ بخسةٍ و كانوا فيها من الزَّاهدينَ ؟ !
و أينَ هُم سماسرة الكراسي الذين أعماهم حُبُّها حتَّى وضعوا عقيدتهم على طاولة المفاوضات ؟ !
و أينَ أولئكَ الشباب الذي ركبوا بِحارَ الأهوالِ و ضربوا أكبادَ الإِبلِ إلى الغربِ طمعًا في مَدَنِيَّتِه المَهِينَةِ و حضارتِهِ المَشِينَة، فربِحُوا دُرَيْهِماتٍ معدوداتٍ و خسروا عقيدةً لا يُفلِحُ عبدٌ لا يأتي بها يومَ القِيامَةِ ؟ !
و إن امرءا ابتاع دنيا بدينه **** لمنقلب منها بصفقة خاسر
و الإمامُ أحمد يُجلدُ و يُعذَّبُ فقط ليقولَ بخلق القرءان و أن يسكتَ عن مُخالفيه، فما نالوا مُرادَهُم من رجل انتفضت عقيدتَه و عادوا بِخُفَّيْ حُنين، فأَحَقَّ الله بِه الحقَ و أبطلَ به الباطل.
قلتُ: فلتُكسر أقلامٌ و لتُلجم ألسنةٌ تُنادي على أهل العلم القائمين بالعقيدة بصرخات صمَّاء :"اعتقد و لا تنتقد"
فهل سكت المبطلون ليسكتوا هم؟!
و هل كفوا عن مهاجمة الإعتقاد على مرأى و مسمع منهم ليسكت أهل الحق ؟!
و لِمَ الكيل بمكيالين ؟! ..
ثمَّ نأتي لنَضربَ آفاقَ المُستقبلِ الغَيبِي، إلىَ أحلكِ فتنةٍ لَم يُعرفْ لها قِبَلٌ قطُّ، عرفناها بالنقلِ الصحيحِ لا مِن مركزِ الدراساتِ المستقبليّة، هيَ فتنةُ المَسيحِ الدجَّال.. يأتي إلى المدينة بعدَ أن عاثَ في الأرضِ فسادا و إفسادا، فيتلقاهُ رجلٌ هوَ أقوى أهلِ الأرض إيمانا، فيقول له المسيح الدجال: أنا ربك، فتنتفض عقيدة الرجل مدوية صارخة في وجهه: ربي ليس بأعور.
و لا تَحسِبنَّ أنَّ انتفاضةَ العقيدة مَخصُوصةٌ على بني البشرِ، بل حتَّى الهوام و الطير.. ذاك الهدهد يرى في سبأ قوما يسجدون للشمس، فتنتفضُ عقيدتُه و يهبُّ إلى سليمان بالنبأ:{ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}النمل25 .
ثمَّ لا تعجبْ إنْ نطقَ الشجرُ و الحجرُ انتفاضةً و نُصرةً للعقيدة:" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر و الشجر فيقول الحجر و الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعالَ، فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" (2)
لا نريدُ بانتفاضةِ العقيدةِ القيامَ بمنهجٍ ثوريٍ أعمى، إنَّما هيَ انتفاضةٌ قائمةٌ على الهُدى و البصيرةِ، يتولاها سُقاةُ المَغارِس و سَاقَةُ الأُمم، أهلُ العلمِ الراسخون في ميراث النبوة، ماسكو الأزِمَّة و ناحِرو الأَزْمَة، فيصحِّحوا مفاهيما إجتالها غَبَشٌ و يظبطوا تصورات طالها دَخَن، ثم يَسكُبوا عُصارتَهُم في قوالبَ من فولاذ، ليطرحوا لهاتِه الأمَّة رجالاً أصلبَ في دينِهِم منَ الحديدِ، و لو جيءَ بأحدِهِم و شُقَّ بمنشارِ لا يردُّهُ ذلكَ عن دينِهِ، و ما ضُرُّ الحديدِ في حديدٍ مثلهِ أو أصلبَ منهُ ؟ ! نريدُ بانتفاضةِ العقيدةِ أن نُعيدَ عجلةَ الأمرِ بالمعروفِ و النهيِ عن المنكرِ إلى مَدارِها، فنُحيي سُنَنَ الجهاد بمراتِبِه و ألوانِه حسب طول اليدِ و قُدرتها، و لنبعثَ حنينًا إلى عدلٍ كِدنا أنْ ننساهُ، فحدِّثونا عنه.. ورحمةً بإنسانيةٍ كِدنا ما نعرِفُها، فصِفُوها لنا.. و لنَنعمَ بعيْشٍ تحت مِظلَّة العبودية لله وحده، فوا لهَفَنا إلى ظِلِّها !
و حتَّى تصدُقَ الدعاوى و تثبُتَ الأجور على البلاوى نَصَبَ اللهُ ميزانينِ يُعرف بهما صحة و صدق انتفاضة العقيدة، أمَّا الصحة فتُعرفُ بالعلم و أعلى مراتبه اليقين، و أما الصدق فتولاه الله بما ينزله من الإبتلاء، إذ لا معنى لابتلاءٍ بعقيدةٍ مخالفةٍ لما نطقت به الرسل و لا قيمةَ لعقيدة صحيحة دون ثبات و تضحية.. فإنْ نحنُ اجتزنا الموازينَ قِسطا سُدْنَا الأممَ بَسْطا، و من شاء فليقرأ : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }السجدة:24.
و ليُعلَم أنَّها تربيةٌ طويلةٌ مستمرةٌ، و لْنحذَر أن نستعجِلَ ثِمارَهَا أو أنْ نستطيلَ طريقَها فيضعُفَ مشيُنا، فلا ينبغِ أنْ نكونَ كالذينَ يزرعُونَ في غَداتِهِم ليحصُدُوا فيِ عشيِّهِم..و هيَ تربيةٌ تُركِّزُ كذلكَ على الناشِئَةِ الذينَ هُم أُسودُ الغَد، أُباةُ الضَيْمِ الذينَ يختَارُونَ المَنِيَّةَ على الدَنِيَّةَ، فعارٌ علَى أُمَّةِ أنْ يكونَ أبناؤُها أَحدَ أمضَى أسلِحَةِ أعدائِها، و لنْ تكونَ صناعةُ هؤلاءِ الرجالِ في دوراتِ التنميةِ البشريةِ في فنادقَ فخمة على يَدِ من هُم في مسيسٍ لتربيةٍ عقدِيةٍ، إنَّما تكونُ في أحضانِ العلماءِ و لو على الحَصِيرِ..
فإلى كلِّ منْ رامَ بناءَ الحَضارةِ فعليهِ بالعقيدة، فإنَّه لا مَحيدَ له من البَدَاءَةِ بها، و لا يَلْتَفِتَنَّ إلى نظرياتِ فصلِ الدينِ عن المجتمعاتِ، فلا حياةَ لجسدٍ من دونِ روح تكونُ جوهره و لا معنى لروحٍ مِن دُونِ جسدٍ يكون قالبها.
إنَّ العقيدةَ حلُّ لجميعِ مشاكِلِنا مَهمَا كانَ شَكلُها و معدنها، فإنْ كانت اقتصادِيَّةً فقد جاءَ شُعيب إلىَ قومِه بتصحيحِ العقيدة، و إن كانت اجتماعية أخلاقية فكذلك نأتي من باب تصحيح العقيدة كما في خبرِ لوطٍ مع قومه..و إن كانت غيرها فلا بُدَّ أن يَكونَ طِبُّها هو العقيدة، و طبيبها هو رجلُ العقيدة، و يا لحداقته فيها !
و لا استراحتْ قلوبٌ لا تُحركُ للعقيدةِ ساكنًا، ألم يَقُل إمامُ الدُعاة صلى الله عليه و سلّم لجرير بن عبد الله رضي الله عنه:" ألا تُريحُني مِن ذِي الخَلَصَةِ" ؟ ! (3) فكيفَ يطيبُ لأحدِهم اليوم المحاضرة بمسجد فِيه قبرٌ يُزارُ و يُدعا، و كيف يَنعَمُ لَهُم عَيشٌ و مِئاتُ ذي الخَلَصَة من كَهَنَة و أضرِحَة و غيرِهَا حولَهُم و هم يَسمعُون و يَنظُرون و لا يحرِّكُون ؟ !
فلأجلِ العقيدةِ فلنتكاتَف و لنتَّحِد و لنلتفَّ حولَ عُلمائِنا و عُقلائِنا، فلنْ يكونَ انتصارُ الحقِّ على الباطلِ بالأحلامِ و الأماني، و لا بالصِّياح و تشييدِ المَباني، إنَّما هُوَ سُلُوكُ و لزوم المنهج الرباني، و العضِّ عليه بالنواجذ ما توالت الثواني :{... فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ }.