(فائدة ١٢١):
قال شيخ الإسلام:
« ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى. تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب؛ وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد؛ ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه الله يغفر لنا وله؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه.... ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان؛ لما بلغني عنه كيت وكيت ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده. أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم؛ وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه. ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد. وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه. ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به. ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت وكيف فعل كيت وكيت فيخرج اسمه في معرض تعجبه. ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول مسكين فلان غمني ما جرى له وما تم له فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف وقلبه منطو على التشفي به ولو قدر لزاد على ما به وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به. وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه. ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر. والله المستعان» .
(فائدة ١٢٢):
قال شيخ الإسلام:
«فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} المفسر لقوله: {اتقوا الله حق تقاته} وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، أخرجاه في الصحيحين. وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها؛ وتعطيل المفاسد وتقليلها».
(فائدة ١٢٣):
هل ينطبق هذا الكلام على المحامين؟
قال شيخ الإسلام:
«لكن الغالب أن من يدخل في ذلك يكون وكيل الظالمين محابياً مرتشياً مخفراً لمن يريد وآخذاً ممن يريد. وهذا من أكبر الظلمة الذين يحشرون في توابيت من نار هم وأعوانهم وأشباههم ثم يقذفون في النار».
(فائدة ١٢٤):
قال شيخ الإسلام:
«وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذم المفسدين في غير موضع، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله به؛ وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم؛ إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم، وهذا معنى قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما قام بغيره من الواجبات- لم يضره ضلال الضلال. وذلك يكون تارة بالقلب؛ وتارة باللسان؛ وتارة باليد».
(فائدة ١٢٥)
قال شيخ الإسلام:
« والشجاعة ليست هي قوة البدن وقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب؛ وإنما هي قوة القلب وثباته. فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال؛ وعلى قوة القلب وخبرته به. والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة؛ دون التهور الذي لا يفكر صاحبه ولا يميز بين المحمود والمذموم؛ ولهذا كان القوي الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. حتى يفعل ما يصلح. فأما المغلوب حين غضبه فليس بشجاع ولا شديد. وقد تقدم أن جماع ذلك هو الصبر؛ فإنه لا بد منه».