الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فكتاب "المحلى" لابن حزم كتاب جليل القدر، عظيم النفع، وقد وجدتُ بعض المآخذ اليسيرة عليه؛ أذكر منها:
أولاً: غلطُه في النقل عن أبي حنيفة:قال ابن حزم في "المحلى "(118/1): "وقال أبو حنيفة: يُهرق ما ولغ فيه الهر، ولا يجزئ الوضوء به" ا. هـ
.
قلت (رفعت):
وهذا وهم من ابن حزم رحمه الله؛ فلم يقل أبو حنيفة: إن الوضوء لا يجزئ مما ولَغ فيه الهر، غاية ما في الأمر أن سؤر الهر مكروه عنده، لكن إن توضأ به صح وضوءه، وقد أشار إلى ذلك الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فقال في تعليقه على المحلى (118/1): "هذا النقل خطأ؛ قال في "الهداية": "وسؤر الهرَّة طاهر مَكروه" ا. هـ
وفي حاشية ابن عابدين "(224/1): "بيان ذلك أن القياس في الهرة نجاسة سؤرها؛ لأنه مختلط بلعابها المتولِّد من لَحمِها النجس، لكن سقط حكم النجاسة (اتفاقًا) بعلَّة الطواف المنصوصة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ليست بنَجسة؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات))؛ أخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم، وقال الترمذي: حسن صحيح؛ يعني أنها تدخل المضايق، ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر صون الأواني منها، وفي معناها سواكن البيوت؛ للعلَّة المذكورة، فسقط حكم النجاسة للضرورة، وبقيت الكراهة لعدم تحاميها النجاسة" ا. هـ
ثانيًا: كلامه في الصحابي "أبي الطفيل" :
قال ابن حزم في "المحلى "(207/2): " فإن هذا الحديث أردى حديث في هذا الباب؛ لوجوه؛ أولها: أنه لم يأتِ هكذا إلا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، ولا يعلم أحد من أصحاب الحديث ليَزيد سماعًا من أبي الطفيل؟ والثاني: أنَّ أبا الطفيل صاحب راية المختار" ا. هـ
قلت (رفعت):
وقد ردَّ كثير من أهل العلم على ابن حزم في كلامه عن هذا الصحابي الجليل؛ قال ابن حجر في "الفتح" (412/1): "أساء أبو محمد بن حزم فضعَّف أحاديث أبي الطفيل، وقال: كان صاحب راية المختار الكذَّاب، وأبو الطفيل صحابي لا شكَّ فيه، ولا يؤثِّر فيه قول أحد، ولا سيما بالعصبية والهوى"؛ انتهى كلام ابن حجر.
وقال ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"(84/1): "وقد طعن أبو محمد بن حزم في أبي الطفيل، وردَّ روايته بكونه كان صاحب راية المختار أيضًا، مع أنَّ أبا الطفيل كان من الصحابة" ا. هـ
ثالثًا: قال ابن حزم في "المحلى" (180/2): "وأما حديثا عائشة، فأحدهما من طريق عمر بن أبي سلمة، وقد ضعَّفه شُعبة ولم يوثِّقه أحد" ا. هـ
قلت (رفعت):

قوله: (لم يوثقه أحد) ليس بجيد؛ لأن عمر بن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، وثقه العجلي في "الثقات" (359/1)، ووثقه ابن شاهين في "تاريخ أسماء الثقات" (136/1) وقال: "صالحٌ ثقةٌ إن شاء الله؛ قاله أحمد" ا. هـ
ه
ذا، وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.