قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

وكثير من الناس يزن الأقوال بالرجال، فإذا اعتقد في الرجل أنه معَظَّم قَبِل أقوالَه وإن كانت باطلةً مخالفةً للكتاب والسنة، بل لا يصغي حينئذ إلى مَنْ يردّ ذلك القول بالكتاب والسنة. بل يجعل صاحبه كأنه معصوم. وإذا ما اعتقد في الرجل أنه غير معَظَّم ردَّ أقوالَه وإن كانت حقًّا، فيجعل قائل القول سببًا للقبول والرد من غير وزن بالكتاب والسنة.

وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحارث بن حوط لما قال له: يا عليّ أتظن أن طلحة والزبير كانا على باطل وأنت على حق؟ فقال: لا يا حارِ إنه ملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله، إن الحق لا يُعرف بالرجال، وإنما الرجال يُعرفون بالحق.

وكلّ من اتخذ شيخًا أو عالمًا متبوعًا في كلّ ما يقوله ويفعله، يوالي على موافقته ويعادي على مخالفته غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مبتدع ضالّ خارج عن الكتاب والسنة، سواء كان من أهل العلم والدين؛ كالمشايخ والعلماء أو كان من أهل الحرب والديوان؛ كالملوك والوزراء ... وهذا هو الأصل الفارق بين أهل السنة والجماعة، وبين أهل البدعة والفرقة.
فإنّ أهل السنة والجماعة يجعلون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإمام المطلق، الذي يتبعونه في كلِّ شيء ويوالون من والاه ويعادون من عاداه. ويجعلون كتاب الله هو الكلام الذي يتبعونه كلَّه ويصدِّقون خبره كلَّه، ويطيعون أمره كلّه. ويجعلون خير الهدي والطريق والسنن والمناهج هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما أهل البدعة فينصبون لهم إمامًا يتبعونه، أو طريقًا يسلكونه، يوالون عليه ويعادون عليه، وإن كان فيه ما يخالف السنة، حتى يوالوا مَن وافقهم مع بُعْدِه عن السنة، ويعادون من خالفهم مع قُرْبه من السنة.
جامع المسائل (١/ ٤٦٣).