بسم الله وبعد :
يعيش المسلمون هنا في انجلترا مع المشركين وأهل الكتاب، وقد لاحظت أن الكثير منهم يعملون في مطاعمهم التي يطهى فيها الخنزير وتُشرب فيها الخمور،
وقد رأيت الكثير منهم يسأل عن حكم العمل فيها إما بتقديم المذكورات أو طهيها مباشرة، وبعضهم لا يباشر لكن يعمل في غسل الأواني .
وأريد أن أناقش مع الإخوة في هذا المنتدى العلمي هذه المسألة، فمن كانت عنده نقولات لكن عن كتب وأقوال السلف الأولين من أصحاب المذاهب السنية فليفدنا ، وأنا الآن مشغول هنا في هذا البلد ، وليس عندي وقت لأبحث .
وقبل الانطلاقة أقول :
. صح عن النبي عليه السلام فيما معناه أنه أهدى لعمر جبة حرير وقال له: لقد نهيت عنها فقال عليه السلام :" إني لم أعطكها لتلبسها بل لتنتفع بها أو تبيعها " يعني للمشركين .
وصح عن عمر رضي الله عنه أمر عماله أنه أمر عماله أن يولوا أهل الكتاب بيع الخمر بأنفسهم وأن يأخذوا ما عليهم من أثمانها:
وأجاز بعض السلف كابن القيم وغيره بيع الأعيان المختلطة بالنجاسات لأهل الذمة.
وربما أجاز بعضهم بيع الخمر لهم وذلك لأمور:
أولاها: أن العلة في تحريمها هي الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، والمشرك لا يذكر الله ولا يصلي، وإن كان مخاطبا بها ، بل شربه للخمر يصده عن كثير من المعاصي الأخرى ، خاصة المحاربين منهم.
والثاني: أن العلة الأخرى من الخمر هي إيقاع العداوة بين المؤمنين، وشرب الكفار لها يوقع بينهم ذلك، وهذه مصلحة للمسلمين .
والثالث: أن العلة من تحريم المسكرات هي المحافظة على العقل ليُستعمل فيما يرضي الله، ومن هنا يُعلم أن زوال عقل المشرك خير له وللمسلمين، لأنه يستعمله في الصد عن الإسلام ومحاربة المسلمين وبث الضغائن بينهم ، وهو أمر ملاحظ هنا فإن فيهم أذكياء ومخططين تتجاوز خططهم ودهاءهم الحدود كما هو معلوم ولولا أن القوم كثيروا تعاطي الخمور لكان الأمر على المسلمين أشد بكثير .
قال شيخ الإسلام بن تيمية في الاستقامة (2/165) في معرض حديثه عن العقل :" فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فالصحو خير لَهُم فَإِن السكر يصدهم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة ويوقع بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء وَكَذَلِكَ الْعقل خير لَهُم لِأَنَّهُ يزيدهم ايمانا،
وأما الْكفَّار فزوال عقل الْكَافِر خير لَهُ وللمسلمين، أما لَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يصده عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة، بل يصده عَن الْكفْر وَالْفِسْق، وأما للْمُسلمين فَلِأَن السكر يُوقع بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَيكون ذَلِك خيرا للْمُؤْمِنين وَلَيْسَ هَذَا اباحة للخمر وَالسكر وَلكنه دفع لشر الشرين بأدناهما "،
وهذا الكلام عام يشتمل على ترك المشركين ليتعاطوا الخمور، كما يشتمل على بيعها لهم لأن هذه العلل المذطورة عامة .
. ثم تكلم عن مسألة عدم نهيهم عن منكر الخمور فقال :" وَلِهَذَا كنت امْر اصحابنا ان لَا يمنعوا الْخمر عَن اعداء الْمُسلمين من التتار والكرج وَنَحْوهم، وأقول إذا شربوا لم يصدهم ذَلِك عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة بل عَن الْكفْر وَالْفساد فِي الارض، ثمَّ إنه يُوقع بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء وَذَلِكَ مصلحَة للْمُسلمين، فصحوهم شَرّ من سكرهم فَلَا خير فِي إعانتهم على الصحو "،
. ثم ذكر استحباب أو وجوب دفع شر هؤلاء بالسكر، وهذا نص صريح منه في بيع الخمور لهم بيعا لا عطية ، لأن في العطية لهم إعانة لهم في جانب المال، وأما البيع فلا إعانة فيه، فقال شيخ الإسلام :
" بل قد يسْتَحبّ اَوْ يجب دفع شَرّ هَؤُلَاءِ بِمَا يُمكن من سكر وَغَيره "،
ثم عدى ذلك إلى الظلمة الفساق فقال :"فَهَذَا فِي حق الْكفَّار وَمن الْفُسَّاق الظلمَة من اذا صَحا كَانَ فِي صحوه من ترك الْوَاجِبَات واعطاء النَّاس حُقُوقهم وَمن فعل الْمُحرمَات والاعتداء فِي النُّفُوس والاموال مَا هُوَ اعظم من سكره ...".
بينما قال في المجموع (29/443) في معرض تقريره لمسألة إبقاء ما بيد الكافر حتى ولو أسلم :" وكان بعض نواب عمر بالعراق يأخذ من أهل الذمة الجزية خمرا ثم يبيعها لهم فكتب إليه عمر ينهاه عن ذلك . وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها"، ولكن ولوهم بيعها وخذوا أثمانها "، قال: فنهاهم عمر عن بيع الخمر وقال: ولُّو أبيعها الكفار ، فإذا باعوها هم لأهل دينهم وقبضوا أثمانها جاز للمسلمين أن يأخذوا ذلك الثمن منهم ".
وقال ايضا (29/265) :" وذكر حديث عمر بن الخطاب : ولوهم بيعها وخذوا أثمانها"، قال: وهذا كان سببه أن بعض عماله أخذ خمرا في الجزية وباع الخمر لأهل الذمة فبلغ ذلك عمر فأنكر ذلك . وقال : ولوهم بيعها وخذوا أثمانها . وهذا ثابت عن عمر وهو مذهب الأئمة ".
وقال في الفتاوى (6/284) :" حتى أنه ـ أحمد ـ قد نص أيضا على أنه لايجوز بيع العنب والعصير والدادي ونحو ذلك ممن يستعين على النبيذ المحرم المختلف فيه، فإن الرجل لا يجوز له أن يعين أحدا على معصية الله، وإن كان المعان لا يعتقدها معصية، كإعانة الكافرين على الخمر والخنزير،"
فمن كانت عنده نقولات لكن عن كتب وأقوال السلف الأولين من أصحاب المذاهب السنية فليفدنا وبارك الله فيكم