قبل فوات الأوان
د.عبد الكريم بكار


وبعد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إخوتي الكرام ، أخواتي الكريمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأرجو أن تكونوا جميعاً في خير وعافية :وبعد.
اخترت هذا العنوان المعبر عن القلق لرسالة هذا اليوم حتى أعبرفعلاًعن قلقي من التغيرات العميقة التي تجتاح ثقافتنا العامة بصمت لكن بفاعلية شديدة. كلما قرأت في بعض الكتب التي ألفهاحكماء الغرب شعرت بالخوف من أن نقع في نفس الأفخاخ التي وقع فيها أبناء الدول الصناعية والتي تقود مسيرة الحضارة اليوم . في الغرب شكوى من فقد السيطرة على مجريات الأمور وتلاشي التحكم بالأوضاع الداخلية ، وفي الغرب شكوى من سيطرة اليأس والحيرة على الناس بالنسبة إلى تطلعاتهم نحو المستقبل ، وفي الغرب شكوى من ضعف الروحانيات ومن التفكك الأسري المخيف .... لكن المشكل أن تلك الشكاوي أشبه بأنين إنسان مسجون داخل سبعة أبواب ، فمن الذي سيسمعه في الوقت الذي تعمل فيه قوى السوق العاتية فعلها لتدمر كل الأشياء الجميلة والقيمة حين قال نيتشه : (مات الإله ). لم يكن يريد أن الخالق سبحانه قد مات ، وإنما أراد أن يقول : إن النبض الروحي الذي غذى الحضارة الغربية وكل الحضارات من قبلها لم يعد المحرك الداخلي للإنسان والثقافة والحياة العامة . إن المشكلة التي تواجه العالم اليوم هي كيفية تسديد فواتير الإعراض عن هدي الرسالات السماوية؟ وكيف يمكن تحقيق التوازن بين الروحانيات والماديات ؟ هناك شعور بالانهيار والانزلاق نحو الانحطاط نتيجة العلمانية الشاملة, عبر عنه ( كريستوفر دوسون) بقوله:" حين يصمت الأنبياء, ويفقد المجتمع اتصاله بالعالم العلوي فإن الطريق يظل مفتوحاً إلى العالم السفلي, وستجد القوى الروحية المحبطة للإنسان مخرجاً لها في الرغبة غير المحدودة في السلطة والتدمير" .
إن عبارة " حطم قيودك وانطلق" والتي يتم ترديدها في دورات التدريب وغيرها تعبر عن اتجاه خطير لدى النشء الجديد, اتجاه تقديس القوة والنجاح والفردية والثروة والشهرة والنفوذ على حساب التشوق للآخرة والعمل من أجلها وعلى حساب الرحمة والتوازن والانضباط الذاتي والتواصل الاجتماعي .. يجب أن نفيق قبل فوات الأوان, وأن نحلل التغيرات السلبية الكبيرة التي تغزو توجهات الناس ونظرتهم لنوعية الحياة, ثم نقوم بوضع برامج وأنشطة كبيرة من أجل إنعاش أرواحنا وثقافتنا وإنقاذ الأجيال الجديدة من براثن المادية المتوحشة.
إلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.