بسم الله الرحمن الرحيم
المجلس الأعـلى للحضارة الإسلامية
واجبٌ ثقافي و ضرورة مرحليَّة تاريخيَّة مُلِحَّـة
الحمدلله رب العالمين ،والصلاةوالسلام على أشرف الأنبياء والمسلمين ، نبينا محمدوعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد ، فقد نعـايش جميعاً بشكلٍ أو بآخر أبعـاد ذلك الصراع الدائر بين آليَّـات الثقـافة الإسلامية بأشكالها و تطبيقاتها المتعددَّة ، و بين شـتَّى الثقافات الغربية منها و الشرقية ، تلك الثقافات المؤدلجـة و المعَـولمة ، لا سيَّما في هذه المرحلة التاريخـيَّة الحرجة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية .
إنَّ مثل تلك الاختراقات الثقافية المنشَّطة فضائياً تنخُـر بحِـدَّة في البنية التكوينية لشخصيَّة الأمَّة ، و نضرب مثالاً بسيطاً لذلك بثقافة ( البوكيمون ) التي استطاعت في سنوات معدودة أن تنتشر تلفزيونياً و حـاسـوبيـاًّ و شريطيـا،ً و أن تتشكَّل بأكثر من صورة ، بل و تترسَّبَ في عقول ناشئة الأمَّـة .
و لا شكَّ أنَّ من أبسط مبادئ الإجراءات التحصينيَّة ضدَّ العمق التأثيري الحـاد لتلك الثقافات و الإيديولوجيات المخترقـة وجـود هيئة موحَّـدة ناطقة باسم حضارة و تاريخ المجتمعات الإسلامية ، تلك المجتمعات المستهدفة إعلامِـيا و تربويا و حضاريا ، بحيث تعمل و لو وقائياً في وجـه تلك الإختراقات الإعلامية العالمية المختلفة .
و الأجـدى أن تكون هذه الهـيئة منبثقة من مؤسسة إسلامية ثقافيَّة لها وزنها و تأثيرها في العالم الإسلامي ، مثل رابطة العالم الإسلامي ذات الأثر الفعَّـال والتاريخ المشرَّف في مجال خدمة قضايا الأمَّة الإسلاميَّة .
و لا شك أن بانتظار هذه الهيئة واجبات و مهام شتَّى للقيام بها ، لا سيَّما و قد تكدَّست مئات الملفَّـات و المعاملات ذات العلاقة المباشرة على طاولة العمل في ظلِّ غياب مثل هذه الهيئة.
ـ و ربَّـما كان من أهم أعمال هذا المجلس ـ أو الهيئة ـ تفعيل مضادَّات حيويَّة إعلاميَّة للحـدِّ من غلواء ذلك الهجوم الإعلامي المحموم و المسموم على القيم و الركائز الذاتيَّة للأمَّـة .
ـ و لعلَّ من الملفات العاجلة في قائمة الانتظار ، ذلك الملف المعني بالتعريف بالحضارة العلمية و الخُـلُقية لهذه الأمَّة ، و كذلك بالفضل العظيم الذي أسدتهُ للحضارة البشرية في كافَّة مجـالات العلوم التطبيقية ، ممَّـا يرفع من الروح المعنويَّة لمجتمعاتنا المهزومة ثقافياً و صناعياً و اقتصادياً ليعـيدَ الأمل إلى تلك المجتمعات المحـبطة .
ـ و من الملفَّـات العاجلة جِـداًًّ ما هو معنيٌ بمصادر التلقي المطروحة و المكوِّنة لشخصية و ثقافة الناشئ المسلم ، حيث تفتقر الساحة الثقافية لأصول تلك المصادر التربوية الصحيَّة ، بينما تجـتال الثقافات الدخيلة و المنشطَّة إعلامياً النسبة الكبرى من الرؤوس الصغيرة و من الثروة البشرية المستقبليَّة .
ربَّـمـَا كان قِـيام مجلس أعلى و أمـانة عـامَّة للعناية بجوانب الحضارة الإسلاميَّة ، ومكتسباتها التاريخية ، و علومها و تطبيقاتها المتنوعة مطلباُ حـضارياً ، إلاَّ أنَّـه في هذه المرحلة التاريخـية من عمر الأمَّـة أصبح واجباً مرحلياًّ مُـلِحـاًّ ، و ضرورة كِيانيَّة لا تحتمل مزيداً من التأخير ، و على الله قصد السبيل ، هو حسبنا و نعم الوكيل .