لله درك يا ابن تيمية .
قال رحمه الله في كتابه الإستقامة 1 / 354 - 355:
ولهذا يوصف الكذاب بسواد الوجه كما يوصف الصادق ببياض الوجه كما أخبر الله بذلك ولهذا روى عن عمر بن الخطاب أنه أمر بتعزيز شاهد الزور بأن يسود وجهه ويركب مقلوبا على الدابة فإن العقوبة من جنس الذنب فلما اسود وجهه بالكذب وقلب الحديث سود وجهه وقلب في ركوبه وهذا أمر محسوس لمن له قلب فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يسري كثيرا إلى الوجه والعين ، وهما أعظم الأشياء ارتباطا بالقلب .
ولهذا يروى عن عثمان أو غيره أنه قال ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه والله قد أخبر في القرآن أن ذلك قد يظهر في الوجه فقال: ( ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ) فهذا تحت المشيئة ، ثم قال: ( ولتعرفنهم في لحن القول ) فهذا مقسم عليه محقق لا شرط فيه وذلك أن ظهور ما في قلب الإنسان على لسانه أعظم من ظهوره في وجهه لكنه يبدو في الوجه بدوا خفيا يعلمه الله فإذا صار خلقا ظهر لكثير من الناس وقد يقوى السواد والقسمة حتى يظهر لجمهور الناس وربما مسخ قردا أو خنزيرا كما في الأمم قبلنا وكما في هذه الأمة أيضا وهذا كالصوت المطرب إذا كان مشتملا على كذب وفجور فإنه موصوف بالقبح والسوء الغالب على ما فيه من حلاوة الصوت ، فذو الصورة الحسنة إما أن يترجح عنده العفة والخلق الحسن وإما أن يترجح فيه ضد ذلك وإما أن يتكافآ فإن ترجح فيه الصلاح كان جماله بحسب ذلك وكان أجمل ممن لم يمتحن تلك المحنة ، وإن ترجح فيه الفساد لم يكن جميلا بل قبيحا مذموما فلا يدخل في قوله : "إن الله جميل يحب الجمال".
وإن تكافأ فيه الأمران كان فيه من الجمال والقبح بحسب ذلك فلا يكون محبوبا ولا مبغضا...أهــ