(( كنّا إذا سلّم النبي صلى الله عليه وسلم علينا قلنا : وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ))
أخرجه البخاري في (( التاريخ الكبير ))(330/1), وابن عدي في ((الكامل))(247/8-الطبعة العلمية), والبيهقي في ((شعب الإيمان))(245/11-طبعةالرشيد):
من طريق محمد بن حميد : حدثنا إبراهيم بن المختار عن شعبة عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم به
وقال البيهقي : "في إسناده إلى شعبة مَنْ لا يحتج به " .
قلت : في إسناده إلى شعبة ضعيفان الأول :إبراهيم بن المختار :وهو مُتكلّمٌ فيه .
قال ابن معين : ليس بذاك .
وقال البخاري : فيه نظر .
وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وقال الحافظ : صدوق ، ضعيف الحفظ .
وقال الذهبي : ضعيف .
وقد تفرّد بهذا الحديث عن شعبة ومثله لايحتمل هذاالتفرد ! .
والثاني : محمد بن حميد وهو الرازي وليس هو ابن سعيد الأصبهاني كما قال العلامة الألباني في (( الصحيحة)(1449)فقد جاء مصرحا باسمه عند الطبراني في ((الكبير))(180/5):
حدثنا محمد بن يحي بن منذه الأصبهاني وجعفر بن أحمد بن سنان الواسطي قالا حدثنا محمد بن حميد الرازي ثنا ابراهيم بن المختار ثنا شعبة عن هارون بن سعد عن
ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم :
(( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم علينا من الصلاة قلنا:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته )) .
قلت : محمد بن حميد بن حيان التميمي الحافظ أبو عبدالله الرازي : ضعيف .
قال أبو نعيم بن عدي: سمعت أبا حاتم الرازي في منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنّه ضعيف في الحديث جداً، وأنّه
يحدث بما لم يسمعه، وأنّه يأخذ أحاديث أهل البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين، ونقل عمرو البرذعي عن أبي حاتم أنَّه قال فيه: هذا كذّاب لا يحسن أن يكذب.
وقال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأومى بإصبعه إلى فمه، فقلت له: كان يكذب، فقال برأسه: نعم، فقلت له: كان قد شاخ لعله كان
يعمل عليه ويدلس عليه، فقال: لا بني، كان يتعمّد، وقال ابن وارة: كذاب، وقال فضلك الرازي – وهو الفضل بن عباس الرازي – الإمام الحافظ صاحب «التصانيف»:
عندي عن أبن حميد خمسون ألف لا أحدث عنه بحرف...
قلت : وهذا كلام الرازيين فيه وأمّا الغرباء فمنهم من ضعّفه، ومنهم من وثّقه فمن الذين ضعفوه الإمام البخاري – رحمه الله تعالى – فقد قال فيه: "في حديثه نظر".
وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الجوزجاني: رديء المذهب غير ثقة، وقال صالح بن محمد الأسدي: كان كلّما بلغه عن سفيان يحيله على مهران وما بلغه عن منصور يحيله
على عمرو بن أبي قيس ثم قال: كل شيء كان يحدّثنا ابن حميد كنّا نتّهمه فيه، وقال في موضع آخر كانت أحاديثه تزيد وما رأيت أحدا أجرأ على الله منه كان يأخذ أحاديث
الناس فيقلب بعضه على بعض، وقال: ما رأيت أحداً أذلق بالكذب من رجلين سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد كان يحفظ حديثه كله، وقال ابن خراش: ثنا ابن حميد، وكان
والله يكذب، وروى غنجار في «تاريخه» أن أبا زرعة سئل عنه فقال: تركه محمد بن إسماعيل فلما بلغ ذلك البخاري، قال: بره لنا قديم، وقال البيهقي: كان إمام الأئمة يعني:
ابن خزيمة لا يروي عنه، وقال النسائي: ابن حميد كذاب... إلخ ما قاله المجرحون.
أمّا عن أقوال من وثّقه:
فقد قال ابن خيثمة: سئل ابن معين فقال: ثقة لا بأس به رازي كيس، وجاء عنه أنَّ هذه الأحاديث التي يحدث بها ليس هو من قبله إنَّما هو من قبل الشيوخ الذين يحدث عنهم،
وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: ابن حميد ثقة كتب عنه يحيى ويروى عنه...، وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: لا يزال بالري علم ما دام محمد بن حميد حياً، وقال الخليلي:
كان حافظاً عالماً بهذا الشأن رضيه أحمد ويحيى. فلخّص الحافظ ترجمته من (( التقريب)) بقوله : حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه .
قلت : ومَنْ كان هذا حاله فلا يُستشهد بحديثه فضلا عن أن يُحتج به , والحديث ضعّفه الحافظ في ((فتح الباري)(11/6) .
وقد جاء إنكار زيادة (( ومغفرته )) في رد السلام عن ابن عباس:
أخرجه البيهقي في (( الشعب ))(245/11-246):أخبرنا أبوزكريا بن أبي اسحاق حدثنا أبوالعباس الأصم حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرني ابن جريج أن عطاء بن أبي
رباح حدثه :
(( أن ابن عباس أتاهم يوما في مجلس فسلّم عليهم , فقال : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته , قال : فقلت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته , فقال : مَنْ هذا ؟
فقلت : عطاء , فقال : انته إلى (( وبركاته )) قال : ثم تلا { ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد }.
قلت : وهذا إسناد صحيح , وجاء نحوه عند الحاكم (344/2) من طريق عيسى بن جعفر الرازي ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن سعيد عن عطاء به .
وقال الحاكم : "هذا حديث غريب صحيح للثوري لا أعلم أنا كتبناه إلا بهذا الإسناد !", وقال الذهبي في (( التلخيص )) :" غريب رواه عيسى بن جعفر الرازي " .
وقد احتج مَنْ يرى الزيادة على بركاته ب ((مغفرته)) بأثر ابن عمر وزيد بن ثابت ولا حجة فيهما , أما أثر ابن عمر:
فأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (ص 49 - دار الكتب العلمية) عن عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال :
كان ابن عمر إذا سلم عليه ، فرد ؛ زاد ، فأتيته وهو جالس ، فقلت : السلام عليكم . فقال : السلام عليكم ورحمة الله . ثم أتيته مرة أخرى فقلت : السلام عليكم ورحمة الله .
قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ثم أتيته مرة ثالثة فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وطيب صلواته .
قلت : وإسناده ضعيف .
وقال الألباني في ((الضعيفة)) : ورجاله ثقات معروفون ؛ غير سالم هذا ، وقد وقع في "الأدب" - كما ترى - أنه مولى ابن عمر ، وكذلك وقع في "الفتح" نقلاً عنه !
ويبدو أنه خطأ قديم ؛ فإنه في كتب الرجال : أنه مولى عبد الله بن عمرو ، منها "التاريخ الكبير" للبخاري نفسه ، ويبدو أنه مجهول ؛ لأنه لم يذكروا راوياً عنه غير
ابن شعيب هذا . وأما ابن حبان : فذكره في "الثقات" على قاعدته المعروفة".
وأما أثر زيد بن ثابت:
فأخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) رقم (1131) :من طريق ابن أبي الزناد أنه أخذ هذه الرسالة من خارجة بن زيد ومن كبراء آل زيد: " بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله؛
معاوية أمير المؤمنين، من زيد بن ثابت،سلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله ؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإنك تسألني عن ميراث الجد والإخوة… فذكر
الرسالة. ونسأل الله الهدى والحفظ والتثبت في أمرنا كله، ونعوذ بالله أن نضل، أو نجهل، أو نكلف ما ليس لنا بعلم، والسلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ومغفرته
وطيب صلواته ".
قلت : فيه ابن أبي الزناد وهو عبدالله بن ذكوان المدني : صدوق تغيرحفظه لما قدم بغداد كما في (( التقريب))
ورواه الطبراني في (( الكبير))(134/5) بدون هذه الزيادة !
وقال ابن عبد البر في التمهيد (5 / 293):
"قال ابن عباس وابن عمر انتهى السلام إلى البركة كما ذكر الله عز وجل عن صالح عباده رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وكانا يكرهان أن يزيد أحد في السلام على قوله
وبركاته والله الموفق للصواب ".
ومن خلال هذا التحقيق يتبين أن في الاكتفاء بالوارد غنية عن التكلف في الرد والزيادة بما لم يرد.
وقد ثبت عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم بأنهم لا يرون الزيادة, بل التشديد في المنع من الزيادة , وأما أثر ابن عمر فإنه ضعيف كما تقدم , وأما الاحتجاج بمجموع
الروايات الضعيفة فإنه لا حجة فيها لان جواب السلام عبادة مستقلة والأصل فيها التوقف إلا بدليل صحيح يعتمد عليه ويتقرب فيه العبد لربه ولم يرد في الزيادة شيء
وإنما انتهى السلام إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته)) فنقف حيث وقف فهم احرص الناس على الأجر وزيادة الحسنات ولو كان هناك زيادة
لشرعها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما الاستدلال بعموم قوله تعالى {فحيوا بأحسن منها أو ردوها} فإنه لا يفهم منه الزيادة في الرد بغير الوارد بل يفهم منه انه إن سلم بسلام كامل يرد عليه، وان
سلم بسلام للراد فيه مجال للزيادة بالوارد , فهو بالخيار، فإن لم يجد أحسن منها يأخذ بقوله تعالى {أو ردوها} وليس له أن ينقص في الرد , والله اعلم.

وكتب
أبوسامي العبدان
حسن التمام