قول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ) هذه الآية فيها بيان التوحيد ،
وجه ذلك: أن السلف فسروا {إلا ليعبدون} يعني: إلا ليوحدوني ؛
دليل هذا الفهم: أن الرسل إنما بعثت لأجل التوحيد -توحيد العبادة-
فقوله: {إلا ليعبدون} يعني: إلا ليوحدون.
قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ} هذا فيه حصر،
ومعلوم أن (ما) النافية مع (إلاَّ) تفيد الحصر والقصر،
معنى الكلام:
خلقت الجن والإنس لغاية واحدة هي العبادة دون ما سواها، ففيه قصر علة الخلق على العبادة.
وقوله: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}: {إلاّ} هذه تسمى أداة استثناء مفرغ، مفرغ من أعم الأحوال كما يقول النحاة،
يعني: وما خلقت الجن والإنس لشيء أو لغاية من الغايات أبداً إلا لغاية واحدة، وهي أن يعبدوني ،
وقوله: {لِيَعْبُدُونِ} اللام هذه تسمى لام التعليل، ولام التعليل هذه،
قد يكون المعنى: تعليل غاية،
أو تعليل علة ؛
تعليل الغاية يكون ما بعدها مطلوباً، لكن قد يكون وقد لا يكون،
يعني: هذه الغاية ، ويسميها بعض العلماء لام الحكمة
، وفرق بين العلة والحكمة، يعني: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ أن يعبدوا الله وحده دون ما سواه.
هذا التعليل بقوله: {لِيَعْبُدُونِ}
قلنا: تعليل غاية، مثلاً: قلتُ لك: لم أحضرت الكتاب؟ قلتَ: (أحضرته لأقرأ) فيكون علة الإحضار أو الحكمة من الإحضار القراءة، قد تقرأ وقد لا تقرأ،
بخلاف اللام التي يكون معناها العلة التي يترتب عليها معلولها،
والتي يقول العلماء في نحوها: (الحكم دائر مع علته وجوداً وعدماً)
تلك علة القياس التي لا يتخلف فيها المعلول عن العلة.
فهنا اللام هذه لام علة الغاية؛ لأن من الخلق من أوجد وخلقه الله -جل وعلا- لكن عبد غيره،
ولام الحكمة شرعية، ما بعدها يكون مطلوباً شرعاً،
قال -جل وعلا- هنا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}
نفهم من هذا أن هذه الآية دالة على التوحيد من جهة أن الغاية من الخلق هو التوحيد.
كفاية المستزيد شرح كتاب التوحيد