تأمَّلتُ ليل الصائمين في هذا الزمان فألفيتُ الناسَ فيه على صنفين: صنف مقبل على طاعة ربه، متصل به اتصاله بالنهار، لا يفتر عن العبادة والإنابة، يستغل فرصة الشهر الكريم فيملأه ذكرا وقرآنا، وتهجدا وقياما، وإنابة وتوبة، وبالجملة فهذا الصنف هو الطراز الذي يقال فيه حقا صائم قائم، ومحتسب مأجور إن شاء الله تعالى، وأما الصنف الثاني، فهو الذي صام نهاره، وأفطر ليله، إذ تغير حاله من صائم نهارا، إلى فاسق فاجر ليلا، فتراه على موائد السهرات الليلية الماجنة يمرح مع المارحين، ويفرح مع الفرحين، ويغنِّي مع المغِّنين، يقول يذهب عناء الصوم بشيء من الرَّوْح الذي يسميه حلالا، وكذَب فما هو بحلال، وكيف يكون حلالا وفيه مجون وخلاعة، وجسارة ومفاكهة فيها اختلاط وضحك وخسارة؟!!!
وفي الحق فليالي الشهر الكريم بيضاء ناصعة تفوح ذكرا وقرآنا، وصلاة وقياما، وخشوعا وإنابة، وليست ليالي الشهر الفضيل حمراء تسيل مجونا وصفاقة، وتجرؤا على الله وجسارة....وإحياء ليلية رمضانية ليس يكون بسهرة غنائية ، ولا مفاكهة على مائدة فنان مغن، أو مطرب شادٍ، أو ممثل مسرحي، أو رسام نحات، بل إن الليلة الرمضانية كالنهار الرمضاني: ذكر وإنابة، وقرآن وتسبيح وتهليل وتكبير، وتقرب إلى الرب الرحيم بأنواع الطاعة من صدقات وصلات للأرحام وإغاثة لملهوف أو سعي في خير، أو دفع لضر...
وليس سواءً رجل ٌصام نهاره، فأفطر على تمر وصلاة وذكر وقرآن، وواصل نهاره بليله لا يُرى في الليل الساجي إلا راكعا منيبا، أو ساجدا أواها مستغفرا، ورجلٌ ما إن آذن نهاره بالرحيل حتى شمر عن ساعد الجد في لمعاصي، وارتكب أنواع المناهي، واقترف ألوانا من الذنوب والموبقات، فحضر الحفلة الموسيقية، والسهرة الفنية، والجلسة الآثمة التي تنتهك فيها الحرمات وترتكب فيها المنكرات إلى أن يؤذن مؤذن الفجر، وتطلع شمس اليوم الموالي، فيصار إلى نوم عميق، وشخير طويل، وكسل قاتل مميت، فأين حلاوة الصيام، وبهاء رمضان، ونور الانقطاع عن الشهوات، ووقار التشبه بالملائكة الكرام البررة؟؟!!!