لعلّ صعوبة الكشف عن الألفاظ في المعاجم الصوتية كان سبباً في نهج المعجميين منهجا آخر في ترتيب الألفاظ ، و هدفهم في ذلك تيسير هذه الصعاب و التخلص منها .

الاتجاه الثاني :معاجم الترتيب الألفبائي تبعا للحرف الأول مع مراعاة الأبنية و التقاليب :
و قد اتّبعت هذه المعاجم منهجا مغايرا لترتيب الخليل حيث رتبت المواد المعجمية على حسب حروف الهجاء . و تُنسب هذه المدرسة المعجمية الهجائية لأبي بكر بن دريد ( 321هـ ) لأنه مؤسسها بمعجمه :

جمهرة اللغة
:
حيث اعتمد فيه كثيرا على معجم " العين " للخليل من حيث التقليبات ، و لكنه خالفه في المنهج حيث يُبحث عن معنى الكلمة داخل " الجمهرة " حسب أول حرف ألفبائي ، فمثلا : تقليبات (رك ب ) يُكشف عنها في حرف الباء لأنه أول الحروف الألفبائية . و يقوم منهج ابن دريد على استهلال كل باب بالحرف المسمّى به ثم الحرف الذي يليه في الترتيب الألفبائي : فباب الدال مثلا يستهلّه بالدال مع الذّال ثم الدال مع الراء ثم الدال مع السين ..إلى آخر الحروف .
و يعتبر منهجه أسهل نوعا ما إذا ما قورن بالترتيب الصوتي ، كما أن ابن دريد أكثرَ في معجمه من الشواهد القرآنية و الحديثية و الشعرية و النثرية ، و اهتمّ أيضا بلغات القبائل العربية .
و من المعجميين الذين ساروا على منهج ابن دريد :

* أبو الحسين بن فارس ( 395هـ ) صاحب " مقاييس اللغة " مع خلاف بسيط هو عدم اعتماده التقاليب ، بل تبنّى منهجا يضمّ فكرتين أساسيتين:
أ- المقاييس أي ردَّ كل مادة لغوية إلى أصول معنوية تشترك فيها المفردات ، مثلا في شرحه لكلمة ( جَحَدَ ) يرى أنّ الجيم و الحاء و الدال أصلٌ يدلّ على قلّة الخير ، يُقالُ عامٌ جَحِدٌ : قليل المطر ، و جَحَدَ الرجل : افتقر، و الجُحود ضدّ الإقرار . و بلغ به تشبّته بفكرة المقاييس أنه خطَّأَ بعض اللغويين لأن شرحهم للفظ لم يُوافق القياس أو الأصل الذي بنى عليه هو المادة .
ب – النحت حيث اعتبر أن الكلمات الزائدة عن ثلاثة أحرف أكثرُها منحوت ( مثلا في شرحه للفظ ( بُحْتُرٌ) أي قصير ، يرى أنها منحوتة من ( بَتَرَ) فكأنه بُتِر و حُرم الطول ، و مِنْ (حَتَرَ) أي ضيّق على نفسه وعياله. فكأن البُحتُر ضُيِّق عليه فلم يُعطَ ما أُعطِي الطويل .

و قد انفرَد ابن فارس بموادّ لغوية كثيرة لم يذكرْها مَن قبله من المعجميين . غير أنّ لديه بعض الاضطراب في الترتيب لا يُعرف مردُّه مثل ما نجده في باب الحاء و التاء و ما يثلثهما ، حيث جاء كالتالي : حتر ، حتأ، حتم ، حتد ، حتن ، حتف ، حتل حتك .. فقدّمَ فيه الراء على الهمزة ، و الميم على الدال ، و النون على الفاء ، و اللام على الكاف .
*
و ألَّف ابن فارس على نفس المنوال أيضاً معجمَه " مجمل اللغة " غيرأنه أكثر تركيزاً و اختصاراً من المقاييس لذلك سمّاه بالمجمل ، كما أنه مالَ فيه إلى التيسير أكثر و عدم الإكثار من الشواهد إلا ما صحّ منها .
و كخلاصة يُلاحظ على هذه المدرسة المعجمية أنها لا تتبنّى منهجا واحداً واضحاً كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة الصوتية ، إذ الجامع بينها فقط هو اعتمادها الترتيب الألفبائي ، فمعجم " الجمهرة " يعتمد التقاليب في حين أن " المقاييس" يعتمد القياس و الأصول .