اشتقّت كلمة "معجم " من أعجم / يُعجم / إعجاما : إذا أبانَ و أزال الغموض و اللَّبس . و منه نَقْط الإعجام الذي قام به نصر بن عاصم الليثي ( 90هـ ) أول من وضع النِّقاط على الحروف المتشابهة في شكلها في اللغة العربية لتوضيحها و إجلاء غموضها في زمن عبد الملك بن مروان . فسُمّيت بذلك حروفَ المعجم أي حروف الخطّ الذي أُعجم و نُقّط فزال لَبسه .
و مصطلح " مُعْجَم "
اسم مفعول من أعْجَمَ ، و يعني الكتاب الذي يجمع بين دفّتيه الثروة اللغوية فيُجْلي غموض معاني المفردات و يرتّبها ترتيب حروف المعجم مع ذكْر معلومات عنها كاشتقاقاتها و استعمالاتها المختلفة .
و لا يتسع المجال هنا للحديث بتفصيل عن الأسباب التي دفعت اللغويين إلى جمع اللغة و تدوينها و تصنيفها و شرح معانيها ، فيكفي أن نعرف أنه مَهّدت لنشأة الفكرة المعجمية مجموعة من الأسباب الدّينية و الاجتماعية و الثقافية منها :

-
مجيء الإسلام و نزول القرآن الكريم ( فقد كانا وراء نشأة علوم اللغة العربية و منها صناعة المعاجم ) .
-
إيمان اللغويين بأن اللغة العربية جزء من العقيدة لأنها لغة القرآن الكريم و لغة الحديث النبوي الشريف .
-
رغبة المسلمين في فهم معاني كلمات القرآن الكريم ، بل إن بعض الصحابة كانوا يجدون في القرآن الكريم ألفاظا لا يعرفون دلالاتها بسبب لغاتهم أو لهجاتهم التي لا تعبّر عن هذه الدلالات بنفس اللفظ ، فهذا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لم يعرف معنى كلمة " الأبّ " في قوله سبحانه : (وَفَاكِهَةً وَأَبًّامتاعا لكم و لأنعامكم ) و هذا ابن عباس رضي الله عنه أشكل عليه معنى لفظ " فاطر" في قوله تعالى: ( الحمد لله فاطر السموات و الأرض ) .
-
تفشّي اللحن ليس بين الأعاجم فقط بفعل الفتوحات الإسلامية الواسعة في القرنين 1و2 الهجريين ، بل حتى بين العرب الذين يسكنون الحواضر كذلك ، الشيء الذي استدعى ضرورة حماية اللغة العربية بوضع مصنّفات تضمّ ألفاظها مع شرحٍ لمعانيها.
-
سعي غير العرب من الداخلين إلى الإسلام إلى تعلّم العربية لقراءة القرآن و فهم معانيه و عدم اللحن فيه .
-
احتكاك العرب بالأمم الأخرى لتعاطيهم للتجارة ، و من ثمَّ احتكاك العربية باللغات الأخرى ، مما أوجب على اللغويين تحديد معاني الألفاظ العربية .
و التأليف المعجمي العربي أطول عمرا و أرسخ قَدَما من التأليف المعجمي الأوربي بجميع أنواعه و أجناسه . فقد قطع المعجم العربي أشواطا مهمة منذ أول ترتيب للثروة اللفظية العربية في نهاية القرن 2هـ على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 170هــ) وتوالت المعاجم بمناهج متميّزة متنوّعة لم تؤلِّف مثلها أوربا إلا في القرنين 17 و 18، ذلك أن مصطلح
lexicographie أو الصناعة المعجمية لم يظهر سوى سنة 1680 بإنجلترا ، و سنة 1716 بفرنسا .
يقول فيشر المستشرق الألماني المعروف الذي استحوذ المعجم العربي على اهتمامه منذ أواخر القرن الماضي وعاش معه ما يقرب من خمسين سنة : " إذا استثنينا الصينَ لا يوجد شعبٌ آخر يحقّ له الفخار بوفرة كتب علوم لغته ، و بشعوره المبكّر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصولٍ و قواعد غيرَ العرب "