يقول الشيخ رحمه الله في بدايات دلائل الإعجاز: "ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن تأتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته، وتختار له اللفظ الذي هو أخص به، وأكشف عنه وأتم له، وأحرى بأن يكسبه نبلا، ويظهر فيه مزية"[1]، فشيخنا لم يبعد اللفظ ولم يغفله، بل ولم ينقص من أهميته، بل جعله والمعنى وحدة واحدة، وحدة الجسد بالروح، وكل ما في الأمر هو أنه جعل المعنى هو الأسبق واللفظ لاحقا، بل صحح مفهوم فصاحة اللفظ عند الناس الذين يرون ألا فصاحة للفظ معين وحشي أو غريب، ولم يصححه متعسفا، بل طرح سؤالا :"وهل تجد أحدا يقول: هذه اللفظة فصيحة إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعاني جارتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟"[2]، فالشيخ لم ينكر أن للفظ مكانة في الكلام، ولكن في إطار نظم يعرفه بأنه توخي معاني الإعراب.
ثم إني أقول: هل يعقل للفظ الواحد جمال وإيقاع موسيقي؟ ، إذن لكانت المعاجم حين قراءتنا لها أنغاما موسيقية تعزف، ولا أدري والله كيف يكون للفظ الواحد منعزلا جرس موسيقي؟، وهل لكلمة "الليث" جرس أقوى من الحيدرة أو الضرغام؟، إنما يتمثل الجرس في نظم مجموعة من الكلمات، وحجارة القدح لنا خير مثال؛ لو أتينا بحجرين ووضعنا كل واحد منهما على جهة هل نحس نارا أو دفئا؟، لا يكون ذلك إلا إذا ضربنا هذه في هذه بقوة وسرعة ، ولو ضممناهما معا بطريقة أخرى لم يقدحا ولم يشعلا نارا، وإنما هذه أمثلة فلنعقلها، وإن شككنا فلننظر "هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت، لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟"[3]


[1]دلائل الإعجاز، ص: 43.

[2]نفسه: ص: 44.

[3]نفسه: ص: 45.