قرأت اليوم كلاما نفيسا للإمام أبي زيد الدبوسي (( 367- 430هـ) فقد أشاد بأن أقصى مراتب العبد يكمن في الدعوة إلى الله، فرتبة الدعوة على حد قوله هي رتبة الأنبياء عليهم السلام. بل الداعي إلى الحق هو الله تعالى بآياته، أما العبد فهو عامل له فيها بأمره.
وفيما يلي نص ما قال:
" فأقصى مراتب العبد في الدعوة إلى الله تعالى، فإنها رتبة الأنبياء عليهم السلام، وتركوها ميراثا للعلماء، ولأن الداعي إلى الحق هو الله تعالى بآياتته، والعبد عامل فيها بأمره.
وأما العبادة فحق الله تعالى على عبده، والعبد مؤدٍ عن نفسه ما عليها، فلن يصير العبد بالعمل عاملا لله حتى يدعو، قال تعالى : وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا (سورة الأنبياء : 73) وقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ( سورة فصلت: 33) وقال الله تعالى في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ( سورة الأحزاب: 45-46)
فأبان الله شرف الرسول بالدعوة والهداية دون العزلة والعبادة، وقال تعالى في شأن الأمة : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الْأَرْضِ ( سورة النور: 55) يعني يثبت لهم ولاية الأرض وأهلها وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومبدأه من الهدى والعمل به. " ( الإمام أبو زيد الدبوسي الحنفي : تقويم أدلة أصول الفقه، ص 11 ، بيروت، دار الكتب العلمية، ط. 1/ 1421 هـ
وهو يرجح العمل الدعوي على نوافل العبادات. فيقول : " واليوم قد انقطعت النبوة، فكان ما ذكرنا نهاية في القوة، ولأن نفع العبادة خاص، ونفع الدعوة عام" ( المرجع السابق نفسه، ص 11)
والإمام أبو زيد الدبوسي ( 367- 430هـ) كان من أكابر أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وقد برع في علم أصول الفقه، ووضع علم الخلاف وأبرزه إلى الوجود، كما قال عنه ابن خلكان. ومن أهم مؤلفاته :
1- تقويم الأدلة في الأصول.
2- كتاب الأسرار في الأصول والفروع.
3- الأمر الأقصى
4- خزانة الهدى.
5- تأسيس النظر.
6- الأنوار في أصول الفقه.

رحم الله الإمام القاضي أبا زيد الدبوسي وأسكنه فسيح جناته ووفقنا وإياكم للعمل بما جاء في كلامه . والله ولي التوفيق.