الكعبة قبلتي (قصة للأشبال)
أحمد الجوهري عبد الجواد
(4) الكعبة قبلتي
تعرفني؟
هل رأيتني من قبل؟
تذكَّر؛ فإنِّي أظهر لك كثيرًا.
هل تذكَّرتني؟
نعم، أنا هي، الكعبة المشرَّفة، قبلةُ المسلمين التي يصلُّون إليها في كل مكان، ويحجُّون إليها كلَّ عام في شهور شوال، وذي القعدة، وذي الحجة.
هل تعلم كم يكون عمري؟
إنني أعيش منذ سنين طويلة، تجاوزَت ألوف السنين، منذ خلق الله الأرض، وقد حجَّ إليَّ كلُّ الأنبياء والمؤمنون بهم؛ طاعة لله تعالى وتنفيذًا لأمره.
وقد كانت هذه السنون كلُّها أوقاتَ سعادةٍ لي، إلا بعض الأحيان التي أصابني فيها الحزن والهمُّ، وركبني الغمُّ، وهذا اليوم الحزين الذي أحدِّثك عنه الآن، هو حِينٌ من هذه الأحيان:
فلقد وصل إليَّ خبرٌ أقلقني، وجعلني في كرب عظيم، يقول الخبر:
إنَّ ملكًا ظالمًا يعيش في أرض الحبشة يقال له: "أبرهة الأشرم"، قد عزم على القدوم إلى بلاد العرب؛ حيث مكة التي أسكُنُها، وسيقدم معه جيشٌ كبير ليهدمني، ويقلع أحجاري، ويدمِّر أركاني.
وصلني الخبر، فأفزعني بشدَّة، فبقيت أعُدُّ الأيام أترقَّب ذلك اليوم خائفةً، حتى جاء ذلك اليومُ العصيب الذي وردتني فيه الأنباءُ بأن ذلك الملِك الغشوم وجيشَه الكبير قد وصلوا إلى أطراف مكة، وأوشكوا على دخولها، وبدأتُ أنظر حولي لأرى ماذا سيفعل الناسُ معه؟
هل سيواجهونه؟
لكني رأيتهم في رعب وقلق شديدين، كانوا يُهرَعون إلى الجبال يحتمون بها، ويختبئون فيها؛ لئلا يصيبهم ذلك الجيش، وتتطأَهم خيوله بحوافرها.
خَلَت الطُّرق التي حولي من جميع الناس، لم يعُد أحدٌ منهم يمرُّ، لا شك أنهم قد اقتربوا أكثر؛ ولهذا فرَّ الناس من أمامهم.
كان الجيش كبيرًا حقًّا، وكان معهم فيلٌ ضخم يقولون: إنهم أتوا به حتى يهدم الكعبة، هكذا يتحدثون عنِّي، ولا يعلمون أنَّ ذلك الفيل الضخم خلْقٌ من خلق الله، يسبِّح باسمه، ولا يمكن أن يهدمني؛ لأنِّي أنا أيضًا خلق معظَّم من خلق الله، ولم يأذن الله تعالى له بهدمي.
ولهذا كان أبرهة يأمرهم بتوجيه الفيل إلى ناحيتي؛ ليأتيني فيقلع أحجاري حجرًا حجرًا، ويلقيها على الأرض، وتتلاشى ذرَّاتي، ولا يصبح لي وجودٌ بعد ذلك، فما كان الفيل يتحرَّك، أو يسمع كلامَهم!
يا ألله، ما هذا العجب؟!
إنَّ الفيل لا يسمع كلامهم، لا يتوجَّه ناحيتي، ولا يتحرَّك خطوة واحدة، ولقد ضربوه ليفعل فما أطاع، وكووه بالنار فما استجاب!
ومن العجيب أنهم كانوا حين يوجِّهونه إلى جهة العودة إلى بلاده، أو إلى أي جهة أخرى غير جهتي، كان يقوم ويمشي فيها مسرعًا، أما في جهتي وناحيتي، فلا، لم يكن يتحرك ناحيتي خطوة واحدة!
ظلَّ القوم يرقُبون الفيل، ويَحارُون في تفسير أمره، وقد استنفدوا كلَّ طاقتهم وحيلهم معه، فلم تأتِ بنتيجة؛ حتى تملَّكهم اليأس منه.
وفي هذا الوقت، وكما أراد الله حمايتي من هذا الفيل الضخم، حمى الله مكة كلَّها من هذا الجيش ومن مَلِكه الظالم الغشوم الذي أراد هدمي، فأرسل عليهم طيورًا كثيرة، طارت فوق رؤوسهم؛ مع كل طائر منها ثلاثُ حصيات، فهو يمسك بمنقاره واحدة، وبين رجلَيْه اثنتين، فكان الطائر يقف فوق فرد من أفراد هذا الجيش، ويلقي عليه حصاة منها، فيموت أو يصاب إصابة بالغة، وهكذا حتى هَلَك الجيش كلُّه، وهرب الملك الظالم عائدًا إلى بلاده مصابًا بإصابات خطيرة، ثم مات بعد وصوله بوقت يسير.
وهكذا حمى الله كعبته، وأهلك عدوَّه، وكان هذا اليوم يومًا عظيمًا في تاريخي وتاريخ مكة وبلاد العرب، وقد سمَّاه الناس باسم ذلك الفيل الأبيِّ، فعُرف بيوم الفيل، وعُرف العام الذي كان فيه بعام الفيل، وقد شاء الله تعالى أن يولد الرسولُ صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، فعرَف الناس له بعد مدةٍ من الزمان قدره، وأيقنوا بأنَّ الله حمى تلك البلاد، وفيها الكعبة لأجله.
نعم لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليعظِّم من شأني، ويعرِّف الناسَ أنني قبلةُ الله التي إليها يحُجُّ الناس، ويتوجَّهون إليها في كلِّ صلاة، فيجب عليهم تعظيمي وحمايتي من كلِّ من يريد بي سوءًا، أو يسعى إليَّ بشرٍّ، ولا يفرُّون من وجه الظالمين المعتدين عليَّ، كما فرَّ أولئك الذين كانوا من قبل ميلاده صلى الله عليه وسلم.
وقد أنزل الله عز وجل في شأن هذه القصة سورةً من القرآن الكريم، هي سورة الفيل، قال سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5].
هذه قصتي يا أبنائي الأعزاء.
نستفيد من هذه القصة الجميلة أن:
• الكعبة قِبلة المسلمين التي يصلُّون ويحجُّون إليها.
• تعظيم الكعبة وحمايتها من كل اعتداء هو واجبٌ على كلِّ مسلم.
• الكعبة عظَّمها جميعُ الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وحجُّوا إليها؛ لأنَّ دينهم جميعًا واحدٌ، وهو دين الإسلام.