بعضهم ضيق الأفق قليل المعلومات ، يعرض ما عنده على أنه هو الحقيقة ليس إلا . ويحدث هذا في تعاطي القضايا التقنية . يحدث هذا حين يواجه الخبر الشرعي ظاهرة كونية تبدوا مخالفة له . يصطف المتحدثون ثلاث صفوف :بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
عداوة للنص والعلم التجريبي
الأول : يعظم العلم التجريبي ويؤيده مطلقاً ، ويرد النص الصريح لضعف تعظيمه لوحي السماء من كتابٍ وسنةٍ صحيحةٍ .
الثاني : يؤيد النص الشرعي على ظاهرة ،دون تفصيل ، أو يُفَصِّل ليثبت ظاهر النص ، وهؤلاء من يأخذون النصوص كما جاءتهم من الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام ، رضوان الله عليهم .
الثالث : ينقلب على النص الشرعي يطوعه للعلم الحديث . وهم المهزومون .
وأذكر كمثال هنا قضية الفهم يكون بالقلب أم بالعقل ؟ وقضية التداوي ببول الإبل ، وعدد كبير من أخبار الإعجاز العلمي . وهي محل نقاش من بداية القرن التاسع عشر حين اتصلوا بنا فيما عرف ( بالاستعمار ) ، واستعلوا علينا بما وهبهم الله من ( علمٍ حديث ) .
فعند التحقيق نجد أن حقيقة الخلاف حول من نصدق ؟
أنصدق العلم التجريبي أم نصدق النص الشرعي ؟!
إحدى المسلمات أن الخبر بالمخبر أو بشواهد في ذات الخبر تشهد له بالصحة . والذي أعرفه أن العلم التجريبي ظني الدلالة ، يقدم لنا فروضاً ، ويقدم لنا نظريات يخطئ بعضها بعضاً ، ويقدم لنا ( حقائق ) يتراجع عنها بعد قليل ، فما من علمٍ تجريبي إلا وهو يتطور أو يتنازل عن آرائهم عاماً بعد عام .
إن العلم التجريبي كذوب يتراجع من قريب .. يحلف وفي كل مرة يحنث ، ولا يتعظ ، ولا يفهم الدرس ، بل يعود ثانية يحلف ، ويحنث ، ثم يعود ويحلف .. في كل عامٍ مرة أو مرتين ولا يتعظ !!
فمن ينتظر منه الصدق وهذا حاله.
ولا تعجل كي لا تندم . سأتلو عليك بعض الشواهد :
أبدأ بما ذكر الدكتور عبد العزيز في مقاله : أقسم العلم التجريبي أن الذرة لا تنقسم ، وأنها أصغر وحدة ، وسماها باللاتينية A TOM أي : لا تنقسم ، ثم تراجع العلم التجريبي وقال : بل تنقسم ، وهي بروتونات وإلكترونات ، ثم تراجع ثانية وتحدث عن ما هو أدق من ذلك ( مكونات النواة ) .!!
وتحدث العلم التجريبي بأن القرحة المعوية ـ عافانا الله وإياكم ـ من زيادة في الحامض المعوي ( HCL) تؤثر على جدار المعدة ، ثم تراجع وتكلم بنظرية أخرى ( Na+ K+ Pupm) ، واليوم يتكلم عن مشاركة حركة القولون ( ارتجاع القولون ) ويتكلم عن ميكروب ( بكتريا تحديداً ) ، ويصف لعلاج القرحة مضاد حيوي( anti biotic ) مع مضادات الحموضة ومنظمات حركة القولون . !!
إنه لا يثبت على قول ، وإنه متغطرس يتكلم بثقة ، وكأن الحقيقة بين يديه يتلو منها على من يأتي إليه .ثم يبين كذبه ولا يخجل !!
أنى لي أن أثق بمثل هذا ؟! .
وأنى لي أن أستفتي مثل هذا ؟!
إنني أرتاب منه .وأقف بعيداً عنه ، فكن معي كي تسلم ولا تأثم .
على الجانب الآخر لم نجرب على النص الشرعي كذب قط . ناطحه ( من المناطحة ) العلمُ التجريبي في قضية الفهم يكون بالقلب أم بالعقل ونطحه العلم الشرعي ، بل عركه وتركه حديثاً لربات البيوت .
وناطح العلمُ التجريبي ( علم النفس هنا وهو تجريبي منذ ظهور المدرسة السلوكية ) العلمَ الشرعي ، وبدا ( علم النفس ) ـ مع أنه قديم منذ بدأ الإنسان على حد قول الدكتور أحمد عزت راجح ومطاوع وجون لويس وغيرهم ـ كالفأر في سهل تهامة يتحدى جبالها . وأنى ؟!!
النص الشرعي يحاط بإشكالية تتعلق بمن يقرأ النص الشرعي . إن كان مهزوماً أوله على هوى عدوه ، وهم كثر لا كثرهم الله ، وإن كان جامداً صلباً تعصب وتشدد وأبى إلا الظاهر ، وقد يكون عاماً له مخصص ، أو منسوخاً له ناسخ ، أو ملفوفاً في ثوب بيان ويحتاج لمن يفهم السياق العملي والقولي ودلالات الخطاب وأساليب المعاني ، ومما يذكر هنا أن الطاهر بن عاشور في مقدمته الخامسة والسابعة اعتبر المعرفة بالأدب أو البيان عموما كالمعرفة بأسباب النزول ، أو أحد الأمور المعينة على فهم النص الشرعي .
والذي أفهمه أن العقل يعمل مع النص الشرعي في منطقتين :
الأولى : إثبات النص الشرعي ، هل الخبر صحيح أم غير صحيح ؟، وأهل الفن يتكلمون ، وغيرهم يسألون .
الثاني : في المناط الذي يتنزل عليه الحكم . هل هو صحيح أم لا . فحين يقول النص الشرعي أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام . يأتي العقل يسأل : هل النص صحيح أم لا ؟ نقول : في أعلى درجات الصحة ( صحيح مسلم ) ، ولا نعلم له صارف من نص آخر أو قرينة حالية أو مقالية .
وتبقى منطقة المناط ( هل ما شُرب خمر أم لا ؟ ) .
والعقل يعمل قبل دخول الإسلام ، فمن ندعوه للإسلام ندعوه بثوابت بيننا وبينه ، يفهمها هو ويقرها .
فالعقل قبل الإسلام يعمل ، وفي داخل الإسلام يناقش إثبات الدليل ، ويناقش المناط . والذين يناقشون الحكم هم المعترضون على الحاكم ، نخاطبهم بالتوحيد . نقول لهم : الله أعلم وأحكم ، الله له من الأسماء والصفات ما يجعله أحق أن يتبع ، وأن يكون قوله الفصل ، وله الحكم .
يبقى أن أشير إلى شيء مهم جداً وهو أن المجادلين في العلم التجريبي ليسوا من أهله بل من أعداء النص الشرعي ( ليبراليون ، علمانيون متنورون .. الخ ) وهم هم بأم أعينهم الذين يتكلمون عن التقدم التقني والرقي الحضاري ، فمن المسلم به أننا أرسلنا جيوشاً للغرب في هيئة بعثات علمية ( يوجد الآن أكثر من خمسين ألف متبعث فيما أعلم ) ولم نتقدم تقنياً . بل عادت البعثات للغرب بصدى عقدي وليس بعلمٍ تقني . وهي حقيقة كشمس الظهيرة في صحراء نجد .
وهذا يثبت أنها عدواة للنص الشرعي وليست نصرة للعلم التجريبي ، أو إيمان خاطئ بخاطئ .
( منقول)