تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 34

الموضوع: قول الجفري: مدد مدد يا حسين؟؟؟!!!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    Exclamation قول الجفري: مدد مدد يا حسين؟؟؟!!!

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    في هذه الأيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع للجفري يقول فيه: (مدد مدد يا حسين)، وعندما رأى أن المقطع انتشر بقوة كتب على صفحته الرسمية في إحدى التعليقات عندما سُئل عن المقطع، قال:
    "الحمد لله .. ليس هناك رازق "على الحقيقة" غير الله، ومع ذلك قال سبحانه وتعالى: {والله خير الرازقين}، بل قال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين "فارزقوهم" منه وقولوا لهم قولا معروفا}. وهذا يُسمى في لغة العرب "المجاز" أي أنهم تسببوا في وصول رزقي إليهم فنسبته لهم وقلت {فارزقوهم منه}. وكذلك المدد هو على الحقيقة من الله وحده وهو ينسب "مجازا" إلى من تسبب فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق سيدنا الحسين: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سِبط من الأسباط) وهو حديث حسن أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وغيرهما، وقال في محبة عموم الصالحين: (المرء مع من أحب) وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. فظهر إذن أن محبة سيدنا الحسين سبب في حصول مدد محبة الله وكذلك محبة الصالحين مددها الفوز بمعيتهم، ولهذا نُسب المدد "مجازا" إليه وإليهم. وأما اعتقاد أن إمكانية النفع مقتصرة على الأحياء دون من توفاهم الله فهو محل الإشكال وفيه "شبهة" الشرك لاحتوائه على ما يشير إلى الاعتقاد بأن الأحياء ينفعون "على الحقيقة" استقلالا من عند أنفسهم "من دون الله" ولهذا اعتقدوا انقطاع نفعهم بموتهم، وجعلوا التوسل مقصورا على الأحياء دون الأموات بينما يعتقد أهل التوحيد أن الله وحده هو النافع الضار وأن العباد أسباب ونفعهم يكون "بإذن الله" فلا يترتب الأمر على حياتهم وموتهم فالمُسبب سبحانه حي لا يموت. ولهذا أورد الإمام النووي رحمه الله دعاء التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستغاثة به في كتابه "الأذكار" في الحديث الثاني تحت عنوان أذكار صلاة الحاجة * ولم يعتبر الإمام النووي انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه سببا في التوقف عن هذا الدعاء الذي فيه التوسل والاستغاثة لأنه يعتقد، كسائر أهل التوحيد، بأن النافع في الحقيقة هو الله، وأن التوسل بالنبي والاستغاثة به ما هو الا سبب من الأسباب، ولهذا لم يُنكر سيدنا عمر بن الخطاب على الرجل الذي جاء إلى قبر النبي وسأله أن يستسقي لأمته** وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل السنة والجماعة باستثناء جماعة قليلة من أشهرهم الشيخ ابن تيمية وتلاميذ مدرسته رحمهم الله، فمن شاء أن يأخذ بمذهب الجمهور فله ذلك ومن شاء بأن يأخذ بمذهب الاستثناء فله ذلك دون تشغيب أو نزاع. وأما سرعة انتشار هذا المقطع على أنه "تسريب"، وهو مجلس إنشاد كان يصوره العشرات من الحضور؛ فما هو إلا نوع من العمل "المنظم" لمحاولة التشويه والصاق التشيع أو الشرك أو غيرها من الأوصاف وهو غير جديد على من لا يتقنون التعامل مع خلاف الرأي إلا من خلال الطعن في المخالف ومحاولة اغتياله معنويا بعيدا عن مناقشته في مواضع الاختلاف الحقيقي، لهذا فالفقير لا يعبأ ولا يرد على أمثال هذا التشغيب في العادة لولا احترام أخذك، وفقك الله، بفريضة التبّت، وحرصك على السؤال والسلام.
    ..............
    * استنادا إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه الامام احمد في مسنده والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي في دلائل النبوة وبن خزيمة في صحيحه من طريق عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلا ضريرا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله ادع الله أن يعافينى. فقال (إن شئتَ أخرتَ ذلك فهو أفضل لآخرتك وإن شئت دعوت لك). قال لا بل ادع الله لى. فأمره أن يتوضأ وأن يصلى ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء (اللهم إنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبى الرحمة يا محمد إنى أتوجه بك إلى ربى فى حاجتى هذه فتقضى اللهم شفعه فيّ).

    ** الأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" والبخاري في "التاريخ الكبير" مختصرا والبيهقي في "الدلائل"، وابن عساكر في "تاريخه" وصححه الحافظ بن حجر في شرحه على البخاري وابن كثير في تاريخه: "أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ : " ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّكُمْ مسْقِيُّونَ وَقُلْ لَهُ : عَلَيْكَ الْكَيْسُ ، عَلَيْكَ الْكَيْسُ "، فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ لَا آلُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ" وطعن المخالفين في صحة الأثر بجهالة مالك الدار مردود بما أورده الحافظ بن حجر في الإصابة في من لهم إدراك فقال: "" مالك بن عياض مولى عمر هو الذي يقال له مالك الدار، له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق وروى عن الشيخين ومعاذ وأبي عبيدة، روى عنه أبو صالح السمان وابناه عون وعبدالله ابنا مالك" فهو غير مجهول العين، وقال عنه إسماعيل القاضي عن علي بن المديني: "كان مالك الدار خازنا لعمر" فهو غير مجهول الحال. وقال الحافظ الخليلي في كتاب الإرشاد عن مالك الدار: "تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون" ومن حفظ حجة على من لم يحفظ..
    وأما من حاول تضعيف الحديث بحجة أن الأعمش مدلس وقد عنعن، فهو مردود على قواعد الجرح والتعديل،لأن الأعمش ممن اعتمد البخاري عنعنته عن أبي صالح السمان كما هو في سند هذا الأثر، وقد نص الحافظ الذهبي والحافظ ابن حجرعلى قبول عنعنته عن أبي صالح السمان، فمحاولة الطعن في صحة الأثر من هذا الباب ينبع عن جهل بهذا أو تعصب للرأي.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    نريد من الإخوة تعليقاتهم على ما قيل في المشاركة.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    210

    افتراضي

    أترك عن الجفري هذا ضال حسبنا الله عليه ونعم الوكيل

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (1/ 222):
    ((وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ - مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَخْلُوقِ: لَا بِحَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ - يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (أَحَدُهُمَا) الْإِقْسَامُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا يُنْهَى أَنْ يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِالْكَعْبَةِ وَالْمَشَاعِرِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ. و (الثَّانِي) السُّؤَالُ بِهِ فَهَذَا يُجَوِّزُهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَنُقِلَ فِي ذَلِكَ آثَارٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي دُعَاءِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ لَكِنْ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ ضَعِيفٌ بَلْ مَوْضُوعٌ. وَلَيْسَ عَنْهُ حَدِيثٌ ثَابِتٌ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةً إلَّا حَدِيثَ الْأَعْمَى الَّذِي عَلَّمَهُ أَنْ يَقُولَ: {أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ} وَحَدِيثُ الْأَعْمَى لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا تَوَسَّلَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَفَاعَتِهِ وَهُوَ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ وَقَدْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: {اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ} وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ لَمَّا دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ مِنْ آيَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))اهـ.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    أحبابي الكرام سألخص النقاط التي بحاجة إلى نقاش علمي:
    1- دعوى المجاز الذي ذكرها في كلامه.
    2- قول الجفري: (اعتقاد أن إمكانية النفع مقتصرة على الأحياء دون من توفاهم الله فهو محل الإشكال وفيه "شبهة" الشرك لاحتوائه على ما يشير إلى الاعتقاد بأن الأحياء ينفعون "على الحقيقة" استقلالا من عند أنفسهم "من دون الله" ولهذا اعتقدوا انقطاع نفعهم بموتهم، وجعلوا التوسل مقصورا على الأحياء دون الأموات بينما يعتقد أهل التوحيد أن الله وحده هو النافع الضار وأن العباد أسباب ونفعهم يكون "بإذن الله" فلا يترتب الأمر على حياتهم وموتهم فالمُسبب سبحانه حي لا يموت).
    3- قوله: (ولهذا أورد الإمام النووي رحمه الله دعاء التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والاستغاثة به في كتابه "الأذكار" في الحديث الثاني تحت عنوان أذكار صلاة الحاجة * ولم يعتبر الإمام النووي انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه سببا في التوقف عن هذا الدعاء الذي فيه التوسل والاستغاثة لأنه يعتقد، كسائر أهل التوحيد، بأن النافع في الحقيقة هو الله، وأن التوسل بالنبي والاستغاثة به ما هو الا سبب من الأسباب).
    4- عدم إنكار سيدنا عمر بن الخطاب على الرجل الذي جاء إلى قبر النبي وسأله أن يستسقي لأمته.
    5- أن هذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، ولم يخالفهم إلا ابن تيمية ومن سار على منهجه.
    6- استناده إلى أثر مالك الدار وإثارته بعض الشبهات حوله وهي كالتالي:
    أ- قوله: (وطعن المخالفين في صحة الأثر بجهالة مالك الدار مردود بما أورده الحافظ بن حجر في الإصابة في من لهم إدراك فقال: "" مالك بن عياض مولى عمر هو الذي يقال له مالك الدار، له إدراك، وسمع من أبي بكر الصديق وروى عن الشيخين ومعاذ وأبي عبيدة، روى عنه أبو صالح السمان وابناه عون وعبدالله ابنا مالك" فهو غير مجهول العين، وقال عنه إسماعيل القاضي عن علي بن المديني: "كان مالك الدار خازنا لعمر" فهو غير مجهول الحال).
    ب- قوله: (وقال الحافظ الخليلي في كتاب الإرشاد عن مالك الدار: "تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون" ومن حفظ حجة على من لم يحفظ..).
    ج- قوله: (وأما من حاول تضعيف الحديث بحجة أن الأعمش مدلس وقد عنعن، فهو مردود على قواعد الجرح والتعديل،لأن الأعمش ممن اعتمد البخاري عنعنته عن أبي صالح السمان كما هو في سند هذا الأثر، وقد نص الحافظ الذهبي والحافظ ابن حجرعلى قبول عنعنته عن أبي صالح السمان، فمحاولة الطعن في صحة الأثر من هذا الباب ينبع عن جهل بهذا أو تعصب للرأي).

    أرجو أن يكون النقاش في النقاط الذي ذكرتها

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي

    أما قوله:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    ليس هناك رازق "على الحقيقة" غير الله، ومع ذلك قال سبحانه وتعالى: {والله خير الرازقين}، بل قال تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين "فارزقوهم" منه وقولوا لهم قولا معروفا}. وهذا يُسمى في لغة العرب "المجاز" أي أنهم تسببوا في وصول رزقي إليهم فنسبته لهم وقلت {فارزقوهم منه}. وكذلك المدد هو على الحقيقة من الله وحده وهو ينسب "مجازا" إلى من تسبب فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق سيدنا الحسين: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سِبط من الأسباط) وهو حديث حسن أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وغيرهما، وقال في محبة عموم الصالحين: (المرء مع من أحب) وهو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. فظهر إذن أن محبة سيدنا الحسين سبب في حصول مدد محبة الله وكذلك محبة الصالحين مددها الفوز بمعيتهم، ولهذا نُسب المدد "مجازا" إليه وإليهم.
    فهذا جهل منه عظيم، أو تلبيس وتدليس؛ لأنَّ نسبة الرَّزق للمخلوق ليست مجازًا؛ وإنما هي على الحقيقة؛ فالله عز وجل يرزق؛ لأنه يعطي ويُنفق، والمخلوق أيضًا يرزق؛ لأنه يعطي ويُنفق؛ ولكن فرق بين رَزق الله تعالى وبين رَزق المخلوق؛ والفرق بينهما كالآتي:
    أولًا: رَزق المخلوق لا يكون إلا بإذن الله تعالى؛ فهو مقيد بإرادة الله؛ وأما رَزق الله تعالى فلا يتقيد بإرادة أحد غيره سبحانه وتعالى.
    ثانيًا: رَزق الله تعالى لا حدود له؛ وأما رَزق المخلوق فمحدود.
    وذلك كالمشيئة؛ فالله عز وجل له مشيئة، والإنسان له مشيئة؛ ولكن فرق بين مشيئة الله ومشيئة المخلوق.
    وكالخلق؛ فالله عز وجل يخلق، والإنسان يخلق؛ ولكن فرق بين خلق الله تعالى وخلق الإنسان.
    وكالإعطاء؛ فالله عز وجل يعطي، والإنسان يعطي؛ ولكن فرق بين إعطاء الله تعالى وإعطاء المخلوق.
    فهذه الأفعال وغيرها تُنسب لله تعالى وتنسب أيضًا للمخلوق، ولا يُقال فيها: إنها مجازية بالنسبة للمخلوق؛ بل يُقال فيها - باتفاق أهل السُّنَّة -: إنها على حقيقتها؛ فمشيئة الإنسان حقيقية؛ ولكنها ليست كمشيئة الله تعالى، وخلق الإنسان حقيقي؛ ولكنه ليس كخلق الله تعالى، وإعطاء الإنسان حقيقي؛ ولكنه ليس كإعطاء الله تعالى؛ وكذلك رَزق الإنسان حقيقي؛ ولكنه ليس كرزق الله تعالى.
    وبعد ما تبيَّن أنَّ نسبة فعل الرَّزق للإنسان على حقيقته؛ لأنَّ الإنسان يعطي فعلًا؛ فإنه لا يجوز قياس طلب المدد عليه؛ لأنه قياس باطل، وقياس مع الفارق؛ فالإنسان يعطي فعلًا؛ ولذلك نُسِب إليه فعل الرَّزق، ولكنه لا يستطيع الإعانة وهو ميت، فلا يجوز طلب الإعانة منه.
    ولذلك لو طُلب المدد مِنَ الحي القادر عليه، فإنَّ ذلك لا شيء فيه؛ كأنْ تكون تحتاج إلى جنود من الأمير، فتقول: المدد يا أمير، أو تكون في حاجة إلى مال من شخص ما، فتقول: المدد يا فلان؛ وهذا المدد على حقيقته وليس مجازًا؛ لأنَّ هذا الشخص يمدك فعلًا؛ وإنْ كان ثمة فرق بين إمداد الله تعالى وإمداد المخلوق.
    فطلب المدد من المخلوق القادر على الإمداد لا شيء فيه، بخلاف طلب المدد من المخلوق غير القادر فإنه لا يجوز؛ كما أن طلب الإعطاء من المخلوق القادر عليه لا شيء فيه، بخلاف طلب الإعطاء من المخلوق غير القادر.
    ثم لو تنزلنا وقلنا بأن نسبة الرَّزق للمخلوق على سبيل المجاز، فإنه يقال: إنَّ هذا جائز؛ لأن الله تعالى خوَّل المخلوق بمباشرة ذلك؛ ولكن أين ذلك بالنسبة للإمداد، فإنَّ المخلوق الميت لا يستطيع مباشرة ذلك.
    وبذلك يكون قد بان الفرق بين هذا وذاك؛ وعُلم أنَّ القياس باطل.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا أخي محمد، وأتمنى من الإخوة مناقشة ما تم طرحه من الشبهات التي أثارها الجفري، والذي سبق وأن لخصته في نقاط.

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    أما قوله:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    2- قول الجفري: (اعتقاد أن إمكانية النفع مقتصرة على الأحياء دون من توفاهم الله فهو محل الإشكال وفيه "شبهة" الشرك لاحتوائه على ما يشير إلى الاعتقاد بأن الأحياء ينفعون "على الحقيقة" استقلالا من عند أنفسهم "من دون الله" ولهذا اعتقدوا انقطاع نفعهم بموتهم، وجعلوا التوسل مقصورا على الأحياء دون الأموات بينما يعتقد أهل التوحيد أن الله وحده هو النافع الضار وأن العباد أسباب ونفعهم يكون "بإذن الله" فلا يترتب الأمر على حياتهم وموتهم فالمُسبب سبحانه حي لا يموت).
    3
    وهذا أيضًا من التدليس والجهل بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن عمر رضي الله عنه لما أجدب القوم طلب من العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء ولو جاز من الأموات لكان أولى من يدعونه النبي صلى الله عليه وسلم، والامتناع دليل المنع.
    ثانيًا: الصحابة رضي الله عنهم لما يعتقدوا النفع في الأشخاص وإنما في دعائهم وهذا ظاهر واضح من طلب عمر للعباس حيث قال: (اللهمَّ إنَّا كنَّا إذا أجْدَبنا توسَّلنا إليك بنبيِّنا، فتَسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا، فاسْقِنا)، فإنه توسُّل بدعائه لا بذاته؛ ولهذا عَدَلوا عن التوسُّل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمِّه العباس، ولو كان التوسل هو بذاته، لكان هو أَوْلى من التوسل بالعباس، فلما عَدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس، عُلِمَ أن ما يفعل في حياته قد تعذَّر بموته، بخلاف التوسل الذي هو الإيمان به والطاعة له، فإنه مشروع دائمًا؛ ولأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم هي هي لا تنقص بموته.

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    جزاك الله خيرًا أبا البراء،
    كيف يُردُّ على قول الجفري بأن الترك لا يُفيد التشريع إلا بقرينة كما ذكر ذلك في إحدى المقاطع على اليوتيوب؟
    ولو أحببتم أن أنسخ رابط المقطع فلا بأس في ذلك.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    أما قوله
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم

    وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل السنة والجماعة باستثناء جماعة قليلة من أشهرهم الشيخ ابن تيمية وتلاميذ مدرسته رحمهم الله، فمن شاء أن يأخذ بمذهب الجمهور فله ذلك ومن شاء بأن يأخذ بمذهب الاستثناء فله ذلك دون تشغيب أو نزاع.

    فهذا عين الكذب والتدليس والتشغيب، ولو كان هذا الخبيث محقًا لذكر لنا من هم الجمهور، فجمهوره هم الشيعة والصوفية القبورية، أما جمهورنا فهم أهل الحق أهل السنة والجماعة، فقد قد نصَّ على تحريم هذه التوسُّلات، جَمٌّ غفيرٌ من فقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم، وفي مقدمتهم أبو حنيفة وأبو يوسف؛ يُنظر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب
    (بداية المبتدي) مع شرحه (الهداية) وشرحهما البناية في الفقة الحنفي، كتاب الكراهية (11/ 277 - 281)، و(صيانة الإنسان عن وسوسة الشيطان)؛ للسهسواني الهندي، ص (187- 206، 273 - 274)، و(الشرك ومظاهره)؛ للميلي الجزائري، ص (213).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرًا أبا البراء،
    كيف يُردُّ على قول الجفري بأن الترك لا يُفيد التشريع إلا بقرينة كما ذكر ذلك في إحدى المقاطع على اليوتيوب؟
    ولو أحببتم أن أنسخ رابط المقطع فلا بأس في ذلك.

    وهذه أيضًا من جملة الضلال التي عليها أهل البدع، أن الأصل في العبادات عندهم الإباحة وليس المنع والتوقيف، وهذا يرده بوضح الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    وهذه أيضًا من جملة الضلال التي عليها أهل البدع، أن الأصل في العبادات عندهم الإباحة وليس المنع والتوقيف، وهذا يرده بوضح الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).
    للفائدة:

    يستدل كثير من المتشددين على عدم جواز أمور كثيرة يقوم بها المسلمون بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها هو وأصحابه رضي الله عنهم، فهل ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأمر يدل على عدم جواز فعله؟
    إن موضوع هذا السؤال ألف فيه الشيخ العلامة السيد عبد الله بن الصديق الغماري رسالة سماها: «حسن التفهم والدرك لمسألة الترك»، وقد افتتحها بأبيات جميلة حيث قال:
    الترك ليس بحجة في شرعنا *** لا يقتضي منعا ولا إيجابا
    فمن ابتغى حظرًا بتـرك نبينا *** ورآه حكمًا صادقًا وصوابا
    قد ضل عن نهج الأدلـة كلها *** بل أخطأ الحكم الصحيح وخاب
    لا حظر يمكن إلا إن نهي أتى *** متوعــدا لمخالفيه عذابا
    أو ذم فعل مؤذن بعقـوبة *** أو لفظ تحـريم يواكــب عابا
    ولقد اتفق علماء المسلمين سلفًا وخلفًا شرقًا وغربًا على أن الترك ليس مسلكًا للاستدلال بمفرده، فكان مسلكهم لإثبات حكم شرعي بالوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو الحرمة هو:1- ورود نص من القرآن. 2- ورود نص من السنة. 3- الإجماع على الحكم. 4- القياس. واختلفوا في مسالك أخرى لإثبات الحكم الشرعي منها: 1- قول الصحابي. 2- سد الذريعة. 3- عمل أهل المدينة.
    4- الحديث المرسل. 5- الاستحسان. 6- الحديث الضعيف، وغير ذلك من المسالك التي اعتبرها العلماء، والتي ليس بينها الترك.
    فالترك لا يفيد حكمًا شرعيًّا بمفرده، وهذا محل اتفاق بين المسلمين، وهناك من الشواهد والآثار على أن الصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا من تركه صلى الله عليه وسلم التحريم ولا حتى الكراهة، وذلك ما فهمه الفقهاء عبر العصور. وقد رد ابن حزم على احتجاج المالكية والحنفية على كراهة صلاة الركعتين قبل المغرب بسبب ما ذَكَرُوا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلونها، حيث قال ما نصه: «وهذا لا شيء أول ذلك أنه منقطع لأن إبراهيم لم يدرك أحدًا ممن ذكرناه ولا ولد إلا بعد قتل عثمان بسنين، ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنه ليس فيه أنهم رضي الله عنهم نهوا عنهما ولا أنهم كرهوهما، ونحن لا نخالفهم في أن ترك جميع التطوع مباح»المحلى بالآثار. فلم يتوقف كثيرًا ابن حزم أمام ترك الصحابة لصلاة الركعتين وقال إن تركهم تلك الصلاة لا شيء طالما أنهم لم يصرحوا بكراهتها ولم ينقلوا ذلك.
    وهذا مسلكه مع ترك الصحابة لعبادة، وكان ذلك عين موقفه من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبادة أصلها مشروع [فما] صام عليه الصلاة والسلام قط شهرًا كاملًا غير رمضان، وليس هذا بموجب كراهية صوم [شهر كامل تطوعًا]»، فلقد فهم من ترك النبي صلى الله عليه وسلم صيام شهر كامل غير رمضان، ما لا يدل على حرمة ولا كراهة صيام شهر كامل غير رمضان، حتى وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله.

    وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بعد رفع الرأس من الركوع: «ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا ... » إلى آخر الحديث، ولم يفهم الصحابي أن مجرد تركه للدعاء في الصلاة يوجب الحظر، وإلا كيف يقدم على شيء وهو يعتقد حرمته، ولم يعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على المسلك، فلم يقل له مثلا: «أحسنت ولا تعد» أو نهاه عن إنشاء أدعية أخرى في الصلاة، وكما نعلم فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، والحديث رواه رفاعة بن رافع الزرقي، قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: «سمع الله لمن حمده». قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف قال: «من المتكلم؟». قال: أنا. قال «رأيت بضعة وثلاثين مَلَكًا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول»( أخرجه أحمد في مسنده ، والبخاري في صحيحه ، وأبو داود في سننه والنسائي في سننه ومالك في الموطأ ، والبيهقي في الكبرى]). وعقب الحافظ ابن حجر هذا الحديث بقوله:«واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور»فتح الباري.
    فمما سبق نعلم أن مطلق الترك من النبي والصحابة وحتى القرون الثلاثة الخيرية لا يفيد شيئًا، لا تحريمًا ولا كراهة ولا غيرهما، وهذا ما فهمه أصحاب النبي في حياته، ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فهمهم، وفهمه العلماء من بعدهم، نسأل الله أن يفهمنا ديننا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله تعالى أعلى وأعلم.




    http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=158183
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    أ

    4- عدم إنكار سيدنا عمر بن الخطاب على الرجل الذي جاء إلى قبر النبي وسأله أن يستسقي لأمته.

    أما قوله هذا فعليه، لا له، لأن عمر رضي الله عنه فهم ما قرره علمائنا أن طلب الرجل لمن يدعو لهم لا لمن يتوسلون به؛ لذا أجابه عمر رضي الله عنه، وعدل من دعاء النبي صلى الله وسلم إلى دعاء عمه، ولو كان الأمر بالتوسل بذاته لما عدل؛ لأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم لا تتغير حيًا وميتًا، وقد تقدم ذكرنا لهذا عند الرد على شبهة الثانية.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة

    أما قوله هذا فعليه، لا له، لأن عمر رضي الله عنه فهم ما قرره علمائنا أن طلب الرجل لمن يدعو لهم لا لمن يتوسلون به؛ لذا أجابه عمر رضي الله عنه، وعدل من دعاء النبي صلى الله وسلم إلى دعاء عمه، ولو كان الأمر بالتوسل بذاته لما عدل؛ لأن ذات النبي صلى الله عليه وسلم لا تتغير حيًا وميتًا، وقد تقدم ذكرنا لهذا عند الرد على شبهة الثانية.
    معذرة ظننت أنه يعني أثر عمر رضي الله عنه مع العباس رضي الله عنه، وإنما جواب تلك الشبهة:

    الجواب:
    الحمد لله
    هذا الأثر رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 356) والبخاري في "التاريخ الكبير" (7/304) - مختصرا - والبيهقي في "الدلائل" (7/47) ، وابن عساكر في "تاريخه" (44/345) من طريق أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ مَالِكِ الدَّارِ، قَالَ:
    أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِي زَمَنِ عُمَرَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا ، فَأَتَى الرَّجُلَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ : " ائْتِ عُمَرَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّكُمْ مسْقِيُّونَ وَقُلْ لَهُ : عَلَيْكَ الْكَيْسُ ، عَلَيْكَ الْكَيْسُ "، فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَبَكَى عُمَرُ ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ لَا آلُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ .
    وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به ، ومالك الدار مجهول كما سيأتي .
    أما قول الحافظ رحمه الله في " الفتح " (2/ 495) :
    " رواه ابن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ مَالِكٍ الدَّارِ "
    فمقصوده أنه صحيح الإسناد إلى أبي صالح فقط ، ولم يحكم على جميع الإسناد بأنه صحيح ، ولذلك لم يقل : رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، كما هي العادة في تصحيح الأخبار .
    وأيضاً : قول الذهبي رحمه الله في " السير" (2/412) : " وقال الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار ... فإنه لم يحكم بصحته ولا بضعفه وإنما ذكر الإسناد فقط .
    وقد أجاب الشيخ الألباني رحمه الله عن هذا الأثر ، فننقل كلامه بطوله لفائدته : قال رحمه الله ، بعد أن حكى قول الحافظ ابن حجر المتقدم :
    " والجواب من وجوه:
    الأول : عدم التسليم بصحة هذه القصة ؛ لأن مالك الدار غير معروف العدالة والضبط ، وهذان شرطان أساسيان في كل سند صحيح ، كما تقرر في علم المصطلح ، وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ، ولم يذكر راوياً عنه غير أبي صالح هذا ، ففيه إشعار بأنه مجهول ، ويؤيده أن ابن أبي حاتم نفسه - مع سعة حفظه واطلاعه - لم يَحْكِ فيه توثيقاً فبقي على الجهالة ، ولا ينافي هذا قول الحافظ : " بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان ... " لأننا نقول : إنه ليس نصاً في تصحيح جميع السند ، بل إلى أبي صالح فقط ، ولولا ذلك لما ابتدأ هو الإسنادَ من عند أبي صالح ، ولقال رأساً : "عن مالك الدار ... وإسناده صحيح"، ولكنه تعمد ذلك ، ليلفت النظر إلى أن ههنا شيئاً ينبغي النظر فيه ، والعلماء إنما يفعلون ذلك لأسباب منها: أنهم قد لا يحضرهم ترجمة بعض الرواة ، فلا يستجيزون لأنفسهم حذف السند كله ، لما فيه من إيهام صحته لاسيما عند الاستدلال به ، بل يوردون منه ما فيه موضع للنظر فيه ، وهذا هو الذي صنعه الحافظ رحمه الله هنا ، وكأنه يشير إلى تفرد أبي صالح السمان عن مالك الدار كما سبق نقله عن ابن أبي حاتم ، وهو يحيل بذلك إلى وجوب التثبت من حال مالك هذا أو يشير إلى جهالته. والله أعلم.
    وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة، ويؤيد ما ذهبت إليه أن الحافظ المنذري أورد في "الترغيب" (2/41-42) قصة أخرى من رواية مالك الدار عن عمر ، ثم قال: "رواه الطبراني في "الكبير"، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه ". وكذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد (3/125) .
    الوجه الثاني: أنها مخالفة لما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء لاستنزال الغيث من السماء ، كما ورد ذلك في أحاديث كثيرة ، وأخذ به جماهير الأئمة ، بل هي مخالفة لما أفادته الآية من الدعاء والاستغفار، وهي قوله تعالى في سورة نوح : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً ... ) وهذا ما فعله عمر بن الخطاب حين استسقى وتوسل بدعاء العباس .
    وهكذا كانت عادة السلف الصالح كلما أصابهم القحط أن يصلوا ويدعوا، ولم ينقل عن أحد منهم مطلقاً أنه التجأ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب منه الدعاء للسقيا، ولو كان ذلك مشروعاً لفعلوه ولو مرة واحدة، فإذا لم يفعلوه دل ذلك على عدم مشروعية ما جاء في القصة.
    الوجه الثالث : هب أن القصة صحيحة ، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يسم (وهو قوله في الرواية : فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فهو مجهول أيضاً، وتسميته بلالاً في رواية سيف لا يساوي شيئاً، لأن سيفاً هذا - وهو ابن عمر التميمي - متفق على ضعفه عند المحدثين ، بل قال ابن حبان فيه : "يروي الموضوعات عن الأثبات ، وقالوا : إنه كان يضع الحديث ". فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة ، لا سيما عند المخالفة .
    الوجه الرابع : أن هذا الأثر ليس فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه طلب الدعاء منه بأن يستسقي الله تعالى أمته ، وهذه مسألة أخرى ، ولم يقل بجوازها أحد من علماء السلف الصالح رضي الله عنهم ، أعني الطلب منه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" (ص19-20) :
    " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا أحد من الأنبياء قبله شرعوا للناس أن يدعوا الملائكة والأنبياء والصالحين، ويستشفعوا بهم، لا بعد مماتهم، ولا في مغيبهم، فلا يقول أحد: يا ملائكة الله اشفعوا لي عند الله، سلو الله لنا أن ينصرنا أو يرزقنا أو يهدينا، وكذلك لا يقول لمن مات من الأنبياء والصالحين: يا نبي الله يا ولي الله ادع الله لي، سل الله لي، سل الله أن يغفر لي ... ولا يقول: أشكو إليك ذنوبي أو نقص رزقي أو تسلط العدو علي، أو أشكو إليك فلاناً الذي ظلمني، ولا يقول: أنا نزيلك، أنا ضيفك، أنا جارك، أو أنت تجير من يستجيرك. ولا يكتب أحد ورقة ويعلقها عند القبور، ولا يكتب أحد محضراً أنه استجار بفلان، ويذهب بالمحضر إلى من يعمل بذلك المحضر، ونحو ذلك مما يفعله أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين، كما يفعله النصارى في كنائسهم، وكما يفعله المبتدعون من المسلمين عند قبور الأنبياء والصالحين أو في مغيبهم، فهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام، وبالنقل المتواتر وبإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع هذا لأمته، وكذلك الأنبياء قبله لم يشرعوا شيئاً من ذلك، ولا فعل هذا أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا ذكر أحد من الأئمة لا في مناسك الحج ولا غيرها أنه يستحب لأحد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره أن يشفع له أو يدعو لأمته، أو يشكو إليه ما نزل بأمته من مصائب الدنيا والدين، وكان أصحابه يبتلون بأنواع البلاء بعد موته، فتارة بالجدب، وتارة بنقص الرزق، وتارة بالخوف وقوة العدو، وتارة بالذنوب والمعاصي، ولم يكن أحد منهم يأتي إلى قبر الرسول ولا قبر الخليل ولا قبر أحد من الأنبياء فيقول: نشكو إليك جدب الزمان أو قوة العدو، أو كثرة الذنوب ولا يقول: سل الله لنا أو لأمتك أن يرزقهم أو ينصرهم أو يغفر لهم، بل هذا وما يشبهه من البدع المحدثة التي لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، فليست واجبة ولا مستحبة باتفاق أئمة المسلمين " انتهى كلام الشيخ الألباني من " التوسل- أنواعه وأحكامه" (ص 118-122) .
    فتبين بهذا البحث القيم للشيخ الألباني رحمه الله :
    - أن هذا الأثر لا يثبت ، فلا يجوز أن يُحتَج به .
    - وأنه خلاف ما عليه عمل السلف الصالح ، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من أئمة المسلمين .
    - وأن من صحّحّ هذا الإسناد فإنما يصححه إلى مالك الدار فقط ، وقد علم أنه مجهول .
    - وعلى فرض أن أحدا من أهل العلم صححه ، فكل يؤخذ منه ويرد عليه ، فهو مردود بقول من حكم على مالك الدار بأنه مجهول ، كالمنذري والهيثمي وغيرهما ، والعلماء يتفاوتون في العلم ، فربما علم أحدهم ما لم يعلمه الآخر ، ومثل هذا لا يقدح في علمهم وفضلهم ، لكنه تصديق قوله تعالى : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) يوسف/ 76 .
    ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم : (
    103585) .


    والله أعلم .


    http://islamqa.info/ar/222141
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    جزاكم الله خيرًا أخي أبا البراء على الطرح والإفادة، وأتمنى من كان من الإخوة عنده فائدة فلا يبخل بها علينا.

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر محمد الشاعر مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرًا أخي أبا البراء على الطرح والإفادة، وأتمنى من كان من الإخوة عنده فائدة فلا يبخل بها علينا.
    وجزاك مثله وبارك الله فيك

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    أحبابنا الكرام
    محمد طه شعبان وأبا البراء نتمنى الاطلاع على الرابط التالي، وبيان مدى صحة ما فيه من أقوال منسوبة للأئمة في جواز التوسل:
    http://www.alwatanrim.net/vb/showthread.php?t=21675

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    3,205

    افتراضي

    فرق بين أن تجعل القرآن والسنة أمامك فيهديانك إلى الصراط المستقيم
    وأن تجعل نصوصهما خلف ظهرك تبرر منهما أفعالك وما يمليه عليك الهوى

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    الدولة
    تونس
    المشاركات
    49

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبد الأعلى مشاهدة المشاركة
    فرق بين أن تجعل القرآن والسنة أمامك فيهديانك إلى الصراط المستقيم
    وأن تجعل نصوصهما خلف ظهرك تبرر منهما أفعالك وما يمليه عليك الهوى
    أردتُ أن أدلو بِدَلوِي حولَ هذَا الخبيّث المارقِ فكفّى أخونَا أبو البراءِ فجزاهُ اللهُ خيّرًا
    وإن صحَّ مَا احِتجَّ بهِ الجفرِي منْ جهةِ الإسْنَادِ إلاَّ أنهَا قضَايَا أعيان وكمَا قالَ الطُوفِي رحمهُ اللهُ قضايَا الأعيانِ تُردُّ إلى قواعدِ الشرعِ
    وقدْ أشركَ هذَا الجفري فِي أقسامِ التوحيّدِ الثلاثةِ وقلَّ أن تجتمعَ فِي أمثالهِ من أهلِ الضلالِ والنكوصِ

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    145

    افتراضي

    بالنسبة للمجاز:
    كيف يُجاب عن قول الله تعالى :(هل من خالق يرزقكم غير الله)، فهذه الآية مما يستدل بها البعض على وقوع المجاز؟
    كذلك ماهي أفضل وأشمل الكتب التي تحدثت عن المجاز وحكمه.
    أفيدونا مأجورين مشكورين

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •