تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: لست منهم يا أبا بكر ... من كتاب (محاورات فقهية مختصرة)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي لست منهم يا أبا بكر ... من كتاب (محاورات فقهية مختصرة)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه
    أما بعد:
    فهذه مسألة من المسائل التي أودعتها في كتابي (محاورات فقهية مختصرة) بطريقة المحاورة والمناظرة
    وقد أقوم بكتابة بعض المسائل الأخرى بين حين وآخر أسأل الله أن يجعل فيها النفع والفائدة.
    وهذه المسألة في الجزء الأول ص (20) وهي بعنوان:
    لست منهم يا أبا بكر
    رأيت رجلاً يمشي بالسوق, وإزاره الأبيض الناصع يلامس الأرض, قد غطى كامل قدميه, فناديته, فالتفتَ إلي, فإذا هو صاحبي العزيز.
    فقلت : مالك تجر ثوبك, قد أسبلته أسفل من الكعبين !
    قال : لا بأس بذلك إذا كان من غير خيلاء.
    قلت : إذا أسبلت إزارك فقد وقعت في الخيلاء, ولا تحتاج الخيلاء إلى نية, أو عمل زائد, فمجرد إسبال الإزار هو بذاته خيلاء.
    قال : أليس النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)؟
    أليس قوله في هذا الحديث (خيلاء) يقيد قوله في الحديث الآخر: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار)؟
    قلت : قوله: (خيلاء) هذه صفة كاشفة, وليست مقيدة, والصفة الكاشفة لا يؤتى بها لتقييد الكلام, وإنما يؤتى بها لبيان الواقع.
    ولذلك أمثلة عديدة, كلها تؤكد أن الصفة الكاشفة لا يؤتى بها لتقييد الكلام, ومثل ذلك تماماً قوله : (خيلاء).
    ومن هذه الأمثلة:
    أولاً : قول الله تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك)
    لا يصح أن يفهم من قوله : (ما لا ينفعك) أنه يجوز أن تدعو معبوداً من دون الله إذا كان ينفعك.
    إذاً قوله: (ما لا ينفعك) هي صفة لبيان الواقع, وليست صفة مقيدة.
    وكل قيد يراد به بيان الواقع، فإنه كالتعليل للحكم, فقوله تعالى: (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) أي : لأنه لا ينفعك ولا يضرك.
    ثانياً : قوله تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)
    لا يصح أن يفهم من قوله: (الذي خلقكم) وجود رب آخر لم يخلقنا, وأننا أمرنا بعبادة الرب الذي خلقنا.
    ثالثاً : قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (اللاتي في حجوركم) جواز نكاح الربيبة التي ليست في حجره.
    رابعاً : قوله تعالى: (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (أضعافاً مضاعفة) جواز أكل الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة!
    خامساً : قوله تعالى: (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (خشية إملاق) جواز قتل الأولاد إذا لم يكن من أجل خشية الإملاق.
    سادساً : قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (ظلماً) أن مال اليتيم قد يؤكل ولا يكون ظلماً.
    سابعاً : قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) أن الرسول r قد يدعونا لشيء لا يحيينا, وأننا لا نستجيب للرسول إذا دعانا لشيء لا يحيينا.
    ثامناً : قوله تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (لا برهان له) أن المشرك قد يدعو مع الله إلهاً آخر له عليه برهان!
    تاسعاً : قوله تعالى: (فويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة).
    لا يصح أن يفهم من قوله: (لا يؤتون الزكاة) أنه لا ويل على المشركين الذين يؤتون الزكاة.
    عاشراً : قوله تعالى: (ولا طائر يطير بجناحية) لا يصح أن يفهم من قوله: (يطير بجناحيه) أنه يوجد طائر يطير بغير جناحيه.
    تلك عشرة كاملة, وأزيدك واحدة, فقد وعد الله تعالى الذين يقتلون النبيين بغير حق بالعذاب الأليم, ولا يمكن أن يفهم من قوله: (بغير حق) أنه يجوز قتل الأنبياء إذا كان بحق.
    وهذه الأمثلة تجلي المراد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء), وتبين أنه قيد لبيان الواقع فحسب, وأن جر الثوب هو بذاته خيلاء, فهو كقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به), وكقوله: (إن الذي يأكلون أموال اليتامى ظلماً), ومثل ذلك بقية الأمثلة, كما ذكرت.
    فيكون معنى الحديث أن جر الثوب هو بذاته خيلاء, فهو كقول القائل: من هدد أخاه ترويعاً له, وضربه تعذيباً له, وقتله ليزهق روحه فجزاؤه جهنم.
    فقوله: (ترويعاً له) (تعذيباً له) (ليزهق روحه) لا تفيد التقييد.

    يتبع...

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2015
    المشاركات
    38

    افتراضي

    قال صاحبي : أليس أبو بكر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لست ممن يصنعه خيلاء).
    قلت
    : هذا الحديث الذي يستدل به بعض الناس هو في الحقيقة دليل لمنع الإسبال مطلقاً, وليس دليلاً لجواز الإسبال من غير خيلاء كما يظن بعض الناس.
    قال
    : كيف ؟!
    قلت
    : إنما يصح الاستدلال بحديث أبي بكر رضي الله عنه لو أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسبل إزاره, فقال له: (لست ممن يجره خيلاء).
    قال
    : أليس أبو بكر رضي الله عنه كان مسبلاً إزاره ؟
    قلت
    : كلا, أبو بكر رضي الله عنه لم يكن مسبلاً لإزاره, وإنما في نص الحديث أنه كان يسترخي أحد طرفي إزاره فيشده, ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لست ممن يصنعه خيلاء).
    فحال أبي بكر أبعد ما يكون عن الإسبال, لأنه كان يشد طرف إزاره كلما نزل, فلم يكن يجر إزاره, وإنما كان يسترخي طرفه, ثم يرفعه, ومن كانت هذه حاله فلا يقال: إنه مسبل إزاره.

    بل إن من كانت هذه حاله فهو مباعد للإسبال, خائف من الوقوع فيه.

    ولهذا لما انتفت عنه صفة الإسبال نفى النبي صلى الله عليه وسلم عنه صفة الخيلاء, فقال له: (
    لست ممن يصنعه خيلاء).
    وفرق عظيم بين المسبل وبين من يسترخي إزاره فيرفعه.

    ولو أن أبا بكر
    رضي الله عنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قد أسبل إزاره أسفل من الكعبين لقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارفع إزارك, كما قال ذلك لغيره, كما سيأتي.
    فهذا الحديث يدل على أن من أسبل الإزار فقد جره خيلاء, ومن نزل إزاره من غير قصد فليس ممن يجر إزاره خيلاء.

    فقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
    رضي الله عنه وهو على الصفة التي ذكرها له: (لست ممن يصنعه خيلاء) دليل واضح على أن من كان يجر إزاره فقد جره خيلاء, ولا بد.
    لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له: إنك لست بمسبل, بل قال: (إنك لست ممن يجره خيلاء) وفرق بين العبارتين.

    قال صاحبي
    : هل يعني هذا أن كل من نزل ثوبه أسفل من الكعبين فقد وقع في الخيلاء ؟
    قلت
    : نعم, ولا بد, ومما يؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم رضي الله عنه: (إياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة) وهو حديث صحيح.
    فهذا نص صريح في أن مجرد إسبال الإزار هو بذاته خيلاء.

    قال صاحبي
    : لكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رأى من أسبل إزاره نهاه عن ذلك.
    قلت
    : بل إنه قد ورد عنه ذلك, فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر رضي الله عنه, ومن المتيقن المجزوم به أن ابن عمر رضي الله عنه لم يكن قد أسبل إزاره خيلاء, وحاشاه من ذلك, وهو من أبعد الناس عن مثل هذا.
    وكذلك ورد نهيه لحذيفة بن اليمان, وعمرو بن زرارة, وسفيان بن سهيل رضي الله عنهم, وغيرهم.

    وقصة عمر رضي الله عنه مشهورة حين قال للشاب: (يا ابن أخي ارفع ثوبك, فإنه أنقى لثوبك, وأتقى لربك) أخرجه البخاري.




الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •