الاعتدال والامتثال؛ بلا إفراط ولاتفريط (الشيخ عبدالعزيز ندى العتيبي)


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده؛ أما بعدُ :
فهذه نصيحة كُتبت على إثر خلاف نشأ عند تناول أعراض الناس، فنجد قليله له مُسوّغ وسبب، وغالبه كلام في أعراض عباد الله؛كـ( زيد وعبيد ) بلا مُسوّغ شرعي، ونرى فريقاً قد عقد لواء الولاء والبراء على زيد، والآخر جعل شعاره عبيد، لقد وجدنا نفراً لاهمّ لهم إلا السؤال وامتحان الناس بلا وجوه شرعية وأسباب مرعية، فيشتغل بالكلام عن زيد وعبيد، وماذا قالوا عنه؟


أو من تكلم فيه؟… فيبدأ التآكل يعمل في عمره ووقته، ومنهم من أمضي عمره كله حتى النهاية؛ بلا فائدة ولا بركة، ولا تحصيل علم نافع، وهناك أثر لهذا النوع وأمثاله على غيره؛ ممن يشارك خلطاءه، فيكون سببا ودافعاً لمشاركة غيره واشتغاله بما لانفع فيه، ويصبح صارفاً عن العلم والتعلم والعمل، وقد يفوته انتقاء الشوارد، وجمع الفوائد؛ مما لا يتسنى له الوقوف عليه في غير هذا الموضع .


ولقد رأينا كثيراً من المسلمين في زماننا قد شاركوا في هذا الأمر، وخاضوا فيه، - وشغلوا به - بين مقل ومستكثر؛ أعني: ما اصطلحوا على تسميته بـ(مجموعة الواتس أب)، وهي وسيلة عصرية ينبغي أن تكون للاجتماع على الطاعة ومخالطة الصالحين، ومفارقة جلساء السوء والمنحرفين، لما رواه البخاري ومسلم في "صحيحهما" من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء؛ كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك؛ إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة".


وإن جلساء الخير يحرصون على العلم والعمل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهذا سبيل لايرغب عنه إلا صاحب شبهة أو شهوة أو كليهما والله الموفق الهادي إلى الصراط المستقيم، والواجب الاجتماع للمذاكرة والانتفاع بالفوائد المنثورة، وعدم الإنشغال بما ضرره على الدين واقع؛ كالإشتغال بأعراض المسلمين بلا مسوغ شرعي؛ إلا ما كان منه لضرورة وحاجة، يكون المقام قد طلب ذلك ودعا إليه، فيصبح الكلام حينئذ ليس استطالة في الأعراض بل نصيحة للأمة ووقاية من الأمراض، وتكون الحجة المُنجية حاضرة يوم يلتقي الخصوم عند الحي القيوم،
ومثاله: باب الرواية والكلام في الرواة، وتتبع أحوالهم، ونقدهم ديانة وضبطا، وبهذا الباب حفظ الله الدين، ومثله باب الشهادة فإنه من الأسباب التي به تحفظ الحقوق.

وقد جمع أهل العلم تلك الأمور التي يباح، بل قد يجب الكلام في فلان من الناس وبيان حاله؛ في ستة مواضع؛ صيانة للدين وحفظا لمقاصد الشريعة :

القدح ليس بغيبة في ستة:
١. متظلم
٢. ومعرف
٣. ومحذر
٤.و مجاهر فسقاً
٥. ومستفت
٦. ومن طلب الإعانة في إزالة منكر

وينبغي التنبيه على ضابط ذلك وبيان حده؛ فليعلم بأن تلك الضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها ، بلا عدوان ولاتجاوز لحدود الله؛ قال تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}، ولا يكون الكلام في الناس ديدنٌ لطلبة العلم، وتصبح عادة لا تفارقه، وشهوة تلازمه في ليله ونهاره وحله وترحاله، والبلاء إذا تعبد الله بهذه الشهوة، والواجب ألاّيذهلنّ أحدٌ عن الأصل في الأعراض؛ فالأصل حرمة أعراض المسلمين إلا ما استثني من ذلك بدليل، وينبغي ألا يهمل ذلكم الأصل، فقد بلغ الحال ببعض الناس عدم التفريق بين حرمة الأصل وما استثني منه، أوتساوي الأصل والمستثنى في هذا الباب، وقد وُجد أن هذا الإهمال (تعظيم الإستثناء)، قد غلب على بعض مجالس طلبة العلم، و هذا خلل بيّن، وعطب ظاهر.

كتبه .عبد العزيز بن ندى العتيبي
٦ رجب ١٤٣٦
يوافق ٢٥/ ٤/ ٢٠١٥