تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: متى يكون سوء الفهم آفة ؟/أسباب هذه الظاهرة/وسائل العلاج

  1. #1

    افتراضي متى يكون سوء الفهم آفة ؟/أسباب هذه الظاهرة/وسائل العلاج

    نسمع كثيراً أن فلاناً قال كذا، وفلاناً فيه كذا، سواءً في الحكم على الأشخاص أو على الكتب، أوعلى الجماعات أو على المجتمعات، أو على الأعمال والجهود . نسمع أحكاماً أحياناً متناقضة ومتباينة، بل نسمع من يقول إن فلاناً يقول كذا وكذا، ويعتقد كذا وكذا، فيقول الرجل بأعلى صوته -و هو رجل مسلم الأصل فيه العدالة والصدق- إني لا أقول كذا، إني لا أعتقد كذا، إني براء من كذا، فيقال له: كذبتَ بل أنت تقول كذا، أو بعبارة أخرى نحن أعلم منك بكلامك، وربما نحن أعلم منك بما في قلبك، ونحن أعلم منك بنيَّتك!

    إنَّ هذا لسان حال الكثير من الناس الذين يُحاكمون الآخرين إلى أفهامهم، ونظراتهم وقناعاتهم هم.

    ثمة ظاهرة عادية تحصل بيننا كثيراً، في الاتفاق على موعد أو نقاش أي قضية من القضايا، نفترق وكل منا في ذهنه أن الاتفاق قد تمّ على أمرٍ محدد، ونختلف في الموعد ثم يحصل النقاش والجدل، فيدَّعي كل منا خلاف صاحبه.
    إنه مظهر من مظاهر سوء الفهم، فأحد الشخصين قد أساء الفهم، ولا يوجد احتمال للكذب ولا للروغان، إنما هو احتمال واحد وهو سوء الفهم، وهي مواقف تحصل كثيراً في حياتنا؛ فنحكم العقل والمنطق لأننا نحتاج إليه، وتنتهي هذه المشكلة. لكن سوء الفهم قد يمتدّ وينتج عنه نتائج ومواقف أخرى، وقد يكون مصدراً للحكم على الآخرين وتقويمهم؛ ومن ثم كان لابدَّ من الحديث عن سوء الفهم.

    متى يكون سوء الفهم آفة ؟
    أولاً: ليس غريباً أن يسيء المرء الفهم، وهذا كثيراً مايحصل في حياتنا؛ فقد تسمع كلاماً من أحد الناس فتفهم منه خلاف ماكان يقصد.
    بل إن الخطأ في الفهم حصل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك مواقف كثيرة لاتخفى عليكم لعلي أشير إلى بعضها إشارة عاجلة.
    * حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بني قريظة في قصة مشهورة : "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" كان منهم من صلى في بني قريظة فأخر صلاة العصر حتى وصل بعد خروج الوقت؛ ففهم أن المقصود أن يصلي العصر نفسها في بني قريظة، ومنهم من فهم النص فهماً آخر، ففهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد منهم أن يعجلوا في المسير إلى بني قريظة؛ ومِن ثمّ أدّوا الصلاة في الطريق.
    * صورة أخرى: حين نزل قول الله عز وجل :((و كلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)) جاء عدي رضي الله عنه فوضع عقالين عند وسادة- خيطين أبيض وأسود- وأصبح ينظر إليهما، فلما استبان له الأبيض من الأسود أمسك، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مداعباً:"إن وسادك لعريض" أي كأنك قد توسّدت الأفق، إنما هو سواد الليل وبياض النهار.
    * وقال عز وجل: ((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم)) لقد خطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها. أي بعبارة أخرى أنكم تخطئون في فهم المقصود من هذه الآية، إذن فكان هناك من يخطئ في فهم هذه الآية ممن كان يخاطبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
    * وقال عز وجل :((ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين))، وقد فهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية فهما آخر، فمنهم من شرب الخمر متأولاً هذه الآية في عصر عمر رضي الله عنه. ثم دعاهم وقرّرهم بالحكم. لا يهمنا بقية القصة وما يتعلق بها إنما الشاهد أن هناك من فهم من هذه الآية خلاف مادلت عليه.
    * وقال عز وجل :((إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)) ، سأل عروة بن الزبير رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها فقال: أرأيتِ قوله تعالى ثم ذكر الآية
    ففهم عروة رضي الله عنه من هذه الآية أنها تدل على أن الطواف بالصفا والمروة ليس واجباً، فصححت له عائشة رضي الله عنها هذا الفهم وأخبرته بسبب نزول هذه الآية الكريمة.
    لعلّي أقتصر على هذه الأمثلة وهي أمثلة كثيرة نراها تقع لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الجيل الأول أو غيرهم ممّن يخطئ في فهم نص من النصوص، وقصدت أن أمثل لخطئهم في فهم النصوص الشرعية لماذا؟ لأنهم ومع احترازهم وتعاملهم مع النصوص الشرعية بعقلية تختلف عن غيرها من النصوص إلا أنهم وقعوا في هذا الفهم.
    إن سوء الفهم أمر لا ينجو منه إنسان أيًّا كان؛ لأنه بشر؛ ولأن المتحدث قد لا يزن حديثه، أو قد يكون حديثه ملبساً، أو مدعاة لسوء الفهم، فإما أن نطالب الجميع بالتخلي عن سوء الفهم أو أن نحاكم الجميع عند سوء الفهم ونرى أن الجميع يجب أن تصح أفهامهم بنسبة 100% فهذا مطلب غير معقول، فلا بد أن يقع المرء في الخطأ في الفهم.
    لكن متى يكون سوء الفهم آفة؟ .
    يكون سوء الفهم آفة حينما يكون قاعدةً نحكم بها على الآخرين، من خلال فهمنا لكلماتهم أو أقوالهم أو أعمالهم أو مواقفهم، فنحاكمهم إلى فهمنا، بل قد يتجاوز الأمر ذلك، فنقول: هو يقصد كذا ويريد كذا، ويظهر خلاف ما يريد …وغيرها من الكلمات التي تعبر عن أعمال قلبية ، كأننا نملك وسيلة نستطيع بها أن نحكم ونطّلع على نوايا الآخرين.
    حين أنقل عن الآخرين يجب أن أكون دقيقاً في النقل فأقول قال: كذا وكذا أو فعل كذا وكذا وفهمت أنا أنه يقصد كذا وأنه يريد كذا.
    أسباب هذه الظاهرة

    السبب الأول: سوء النية:
    فقد يكون الرجل صاحب نية سيئة، فهو يسمع لفلان ويقرأ لآخر لا لأجل أن يستفيد ، ويقرأ لفلان ليس من أجل الفائدة، إنما يبحث عن مدخل. فهو إذن سيئ النية ابتداء.
    وسوء النية ليس بالضرورة إرادة حرب الإسلام والمسلمين؛ فالحسد والهوى والتنافس الحزبي صورة من صور سوء النية.
    السبب الثاني : سوء الظن
    عندما يسيء الإنسان الظن بشخص أياً كان، فلا بد أن يسيء الفهم تلقائياً فهو يقصد كذا أو يريد كذا وهذا لا يحتمل إلا هذا الشيء…إلخ هذه القائمة.

    لماذا نحمل مقاصد الناس على المحمل السيئ؟ إن المنطق العقلي البحت ومنطق العدل المجرد مع الناس أياً كانوا يجعلني أتجرد من كل هذه القضايا. وأنظر إلى الكلام مجرداً عن كل الأوهام التي عندي. ثم أحاكم هذا الكلام إلى ما يقوله هو في مناسبة أخرى إلى أعماله الأخرى فسأصل إلى نتيجة سليمة قطعاً.
    السبب الثالث: الخلفية السابقة
    إنك لو أعطيت كتاباً لاثنين متساويين في الفهم والإدراك والتربية، وقلت للأول خذ الكتاب لتقرأه، وقلت للثاني اقرأ الكتاب لكن احذر؛ فهذا الكاتب عليه ملاحظات ما النتيجة؟
    لابد أن الثاني سيصل إلى نتائج وأخطاء لم يصل إليها الأول؛ لأن الأول قرأ بدون خلفية، بخلاف الثاني الذي يقرأ محاولاً اكتشاف الملاحظات والأخطاء، وقد يكون لبعض هذه الأخطاء رصيد من الواقع، لكن كثيراً منها سيكون متوهماً، قد حمله صاحبنا أكثر مما يحتمل.
    السبب الرابع: إهمال الظروف المتعلقة بالشخص
    إن الناس تختلف طبائعهم وسماتهم، فبعضهم -على سبيل المثال- حاد وسريع الغضب، وقد يقول كلاماً لا يعبر عن حقيقة ما في نفسه، وحين يغضب ويغلظ عليك الكلام فكأن الأرض لن تحملك بعد ذلك، بينما قلبه سليم تجاهك.

    السبب الخامس: الحرص تنزيل الكلام على معين
    حين يتحدث متحدث عن قضية من القضايا، ويأتي في ثنايا حديثه أن بعض الكتاب أو بعض الدعاة يقول كذا أو يقع في هذا الخطأ، فسوف يتساءل الناس من يقصد؟ أهو يقصد فلاناً أم فلاناً ؟ وربما لم يكن في ذهن المتحدث شخص بعينه، إنما هو يتحدث عن ظاهرة من الظواهر.
    السبب السادس: القول باللازم
    حين أقول إن المعلمين في المدارس هم البوابة للمجتمع، وهم الذين يصنعون الجيل إلى غير ذلك. قد يأتي شخص ويقول يلزم من كلامك أن العلماء ليس لهم قيمة ، يلزم من كلامك أن الخطباء ليس لهم قيمة، أن القضاة ليس لهم قيمة…وهكذا.
    السبب السابع: عدم إدراك أطراف الموضوع
    حين يقرأ أحد القراء جزءاً مما قاله أحد الكتاب، فقد يفهم خلاف ماقصده، لكن لو عرف أطراف الموضوع فسيفهمه فهماً آخر.
    دعونا نضرب مثالاً قريباً: في المحاضرة هذه لو أن إنساناً لم يحضر معنا الجزء الأول، فسيقول أنت الآن تشنّ حملة على من يسيء الفهم، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقعوا في خطأ في الفهم وهذا يلزم منه أنك تنتقص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو أدرك أطراف الموضوع كله مثلاً لعلم أنني تحدثت عن هذه القضية وأنه لو كان لازم كلامي هذا فأنا على الأقل لا ألتزم به.
    السبب الثامن: الربط المتكلف
    وذلك حين يعمد إلى كلام هنا وكلام هناك فيربط بينهما برابط ويخلص إلى نتيجة معينة، غير حقيقية.
    ومن ذلك إلزام الشخص بآراء مدرسة فكرية أثنى عليها في موطن، أو استشهد ببعض عباراتها في آخر.
    السبب التاسع : التصحيف وركاكة الفهم
    والتصحيف أمر معروف لدى المحدثين، فقد يقرأ الراوي الكلمة قراءةً خاطئةً، أو يسمعها سماعاً خاطئاً.
    وأحياناً يكون السبب ركاكة الفهم، فبعض الناس كما يقال: أقول زيداً ويسمع عمراً ويكتب خالداً.
    من وسائل العلاج
    إن ذكر الأسباب يختصر علينا خطوات كثيرة في علاج الظاهرة، لذا سنشير هنا إشارات عاجلة وموجزة لبعض خطوات العلاج:
    أولا: حسن الظن بالمسلمين
    وهو منهج شرعي أخل به كثير من المسلمين اليوم، إن الواجب على المسلم حين يرى ما قاله أخوه يحتمل أمرين أن يحمله على أحسن محمل، فيقول -على سبيل المثال - فلان قال هذا لكن هذا القول لا يليق به فلا أتصور أنه يقصد كذا أو يريد كذا، فلعله يريد الأمر الآخر.
    وحين أحسن الظن بفلان، وأكتشف بعد أنه على خلاف ظني، فما النتيجة؟ إنها التزام الأدب الشرعي وسلامة القلب للمسلمين.
    ثانياً: الابتعاد عن تتبع عورات المسلمين

    فمن تتبع عورة إخوانه المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته، وتتبع الزلات والعورات والأخطاء وتصيدها مظهر من مظاهر مرض القلب.
    إن البشر لا بد أن يقعوا في الخطأ أياً كانوا، وحين لا نسأل إلا عن الزلات والأخطاء فلا بد أن نصل إلى مثل هذه النتائج.

    ثالثاً: الأمانة والانضباط في النقل

    وذلك بأن تسعى لأن تنقل الكلام بلفظه وحروفه قدر الإمكان، ثم بعد ذلك من حقك أن تذكر فهمك، لكن يجب أن يعلم الجميع أن هذا فهمك وليس هذا ما يقصده من نقلت عنه.
    ولابد أن يرتفع مستوى فهمنا فنفرق بين مايرويه الثقة من مواقف الناس، وبين فهمه لها وتفسيره؛ فالأصل في قول الثقة أن يقبل، أما فهمه واستنتاجه فليس بالضرورة كذلك.
    رابعاً: الجمع بين المتفرِّق
    إنه من العجب أن يلزم شخص بعبارة قالها وهو قد صرح بنفيها في موضع آخر, وله أمثلة كثيرة في واقعنا المعاصر.

    http://sunnah.org.sa/ar/home/associa...04-01-07-51-45
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو عبد الأكرم الجزائري مشاهدة المشاركة

    لكن متى يكون سوء الفهم آفة؟ .
    يكون سوء الفهم آفة حينما يكون قاعدةً نحكم بها على الآخرين، من خلال فهمنا لكلماتهم أو أقوالهم أو أعمالهم أو مواقفهم، فنحاكمهم إلى فهمنا، بل قد يتجاوز الأمر ذلك، فنقول: هو يقصد كذا ويريد كذا، ويظهر خلاف ما يريد …وغيرها من الكلمات التي تعبر عن أعمال قلبية ، كأننا نملك وسيلة نستطيع بها أن نحكم ونطّلع على نوايا الآخرين.
    حين أنقل عن الآخرين يجب أن أكون دقيقاً في النقل فأقول قال: كذا وكذا أو فعل كذا وكذا وفهمت أنا أنه يقصد كذا وأنه يريد كذا.


    جزاكم الله خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •