الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ؛ وبعد :
_ اسمع ماذا يقول الحسن البصري " رحمه الله " عندما سئل عما شجر بين الصحب الكريم " رضي الله عنهم " , قال : قتال شهده أصحاب مُحمد " صلى الله عليه وسلم " وغبنا عنهُ , وعلموا وجهلنا , واجتمعوا فاتبعنا , واختلفوا فوقفنا . ( ومعنى قوله : أن الصحابة " رضي الله عنهم " كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا , وما علينا إلا أن نتبعهم فيما اجتمعوا عليه , ونقف عند ما اختلفوا فيه , ولا نبتدع رأياً منا , ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله _ عزوجل _ , إذ كانوا غير مُتهمين في الدين ) ا.هـ الجامع لأحكام القرآن : للقرطبي / ج 16، ص332
_ وسُئل عُمر بن عبد العزيز " رحمه الله " أيضاً , فقال : تلك دماءٌ طهر الله تعالى يدي منها , أفلا أُطهر لساني , مثلُ أصحاب رسول الله " صلى الله عليه وسلم " مثلُ العيون , ودواء العيون ترك مسها ا.هـ الطبقات الكبرى : لابن سعد / ج5 ص394
_ وقيل للإمام أحمد بن حنبل " رحمه الله " ما تقول فيما جرى بين علي ومُعاوية " رضي الله عنهما " , قال : ما أقول فيهم إلا الحُسنى ا.هـ مناقب الإمام أحمد : لابن الجوزي / ص164
_ وقال أبو بكر الباقلاني " رحمه الله " : ( ويجب أن يُعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي " صلى الله عليه وسلم " ورضي الله عنهم وأرضاهم من المُشاجرة ؛ نكُف عنه ونترحم على الجميع ونُثني عليهم ... ) ا.هـ الانصاف / ص67
_ ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية " رحمه الله " في صدد عرض عقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة " رضي الله عنهم " : ( ... ويمسكون عما شجر بين الصحابة " رضي الله عنهم " , ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب , ومنها ما هو زيد فيه ونقص وغير عن وجهه , والصحيح منه هم فيه معذورون , إما مُجتهدون مُصيبون , وإما مُجتهدون مُخطئون ) ا.هـ العقيدة الواسطية / ص171
_ وقال ابن كثير " رحمه الله " : ( وأما ما شجر بينهم _ يقصد الصحابة _ بعده " عليه الصلاة والسلام " فمنه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل ، ومنه ما وقع عن اجتهاد كيوم صفين , والاجتهاد يُخطئ ويُصيب , ولكن صاحبه معذور , وإن أخطأ , ومأجور أيضاً , وأما المُصيب فلهُ أجران ) ا.هـ الباعث الحثيث / ص182
_ وقال ابن حجر العسقلاني " رحمه الله " : ( ... واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة , بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عُرف المُحقُ منهم , لأنهم لم يُقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد بل ثبت أنهُ يُؤجر أجراً واحداً المُخطئ , والمُصيب يُؤجر أجرين ) ا.هـ [ فتح الباري / ج 13 ، ص634
_ كما أن أهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة بعد قتل عُثمان , والترحم عليهم , وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم و نشر محاسنهم _ رضي الله عنهم وأرضاهم _ ا.هـ عقيدة أهل السنة والجماعة : د. ناصر الشيخ / ج 2 ، ص740
_ وقال الشيخ ابن عثيمين " رحمه الله " : ( ... ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة " رضي الله عنهم " من الفتن , فقد صدر عن تأويل واجتهدوا فيه , فمن كان منهم مُصيباً كان لهُ أجران , ومن كان منهم مُخطئاً فلهُ أجر واحد و خطؤه مغفور لهُ _ إن شاء الله _ ,.... ونرى أنهُ يجب أن نكف عن مساوئهم , فلال نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل , وأن نُطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحدٍ منهم ... ) ا.هـ عقيدة أهل السنة والجماعة / ص32
_ قلت : فهذا أخي في الله منهج من آثر السلامة , وسلك درب العارفين بالله الصالحين المهتدين الكافين عن أذية المُسلمين , فما بالك بمن يكف عن ذكر الصحب الكريم " رضي الله عنهم وأرضاهم " بالسوء ولا يذكرهم إلا بجميل الذكر والثناء ، ومن عجيب أقوال السلف " رحمهم الله " أنهم يقولون عما جري بين الصحابة " رضوان الله عليهم " شجار أو مُشاجرة ، وذلك من باب الأدب ، لأن الشجار غالباً يقع بين الإخوة والأحباب ، أما المشاكل فهي تقع بين الأعداء والخصوم .
فما دفعني أن أكتب هذه الرسالة المتواضعة إلا لأني حريص عليك أخي المسلم أن تقع بمثل هذا فقد وقع الكثير من أبناء أمة الإسلام _ وللأسف _ في الخوض بالصحب الكريم .
وفي الختام أدعوك أخي الكريم للإقتداء والإتباع لا الابتداع ؛ يقول ابن عُمر " رضي الله عنهما " : " من كان مُستناً فليستن بمن قد مات , أولئك أصحابُ مُحمد " صلى الله عليه وسلم " كانوا خير هذه الأمة , أبرها قلوباً و أعمقها علماً و أقلها تكلُفاً , قومٌ اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه " صلى الله عليه وسلم " ونقل دينه , فتشبهوا بأخلاقهم و طرائقهم , فهم أصحابُ مُحمد " صلى الله عليه وسلم " كانوا على الهُدى المُستقيم , والله رب الكعبة " ا.هـ حلية الأولياء : أبو نعيم / ج1 ، ص305
أخي في الله ؛ الأفضل لك في صلاح دينك ودُنياك , أن تتبع لا أن تبتدع , أن تستن خيرٌ لك من أن تعيب و تزيغ عن الحق المُبين .
أسال الله العظيم رب العرش العظيم , أن يهدنا إلى الصراط المُستقيم , وأن يٌثبتا على الحق ويرزقنا اتباعه , وأن يعفو ويغفر لمُسيئنا , إنه ولى ذلك والقادر عليه .
كتبه : أبو الليث الصنهاجي ...
25 جمادي الآخرة 1436 ه
14 نيسان 2015 م