قال الطبري:
(وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره،
وفضح بها أحبارهم وعلماءهم.
وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم
أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم،
فيما كان بينه وبينهم من الخلاف.
كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى
- إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه -
إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة.
وقال لفريق اليهود:
إن كنتم محقين فتمنوا الموت،
فإن ذلك غير ضاركم،
إن كنتم محقين
فيما تدعون من الإيمان
وقرب المنزلة من الله.
بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم،
فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها
وكدر عيشها،
والفوز بجوار الله في جنانه،
إن كان الأمر كما تزعمون:
من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا.
وإن لم تعطوها علم الناس
أنكم المبطلون
ونحن المحقون في دعوانا،
وانكشف أمرنا وأمركم لهم.
فامتنعت اليهود
من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك،
لعلمها أنها تمنت الموت هلكت،
فذهبت دنياها،
وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها.
كما امتنع فريق النصارى
- الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى ،
إذ دعوا إلى المباهلة -
من المباهلة.
فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ولو أن اليهود تمنوا الموت
لماتوا ورأوا مقاعدهم في النار
ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم
لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ))([7]))([8]).
============
([7]) رواه أحمد (1/248) (2225)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/308) (11061)،
وأبو يعلى (4/471) (2604). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/231):
رجال أبي يعلى رجال الصحيح،
وقال ابن حجر في ((العجاب)) (1/287): إسناده صحيح،
وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (7/872)
([8]) ((جامع البيان في تأويل القرآن)) (2/361-362)