لقد خلق الله تعالى الخلائق وهو الأعلم بما يكون صلاحها، ثم شرع لهم الشرائع المحقِّقة لهذا الصلاح في الحال والفلاح في المآل.
ويراعي الإسلام في تشريعاته تحصيل المصالح البشرية وتعطيل المفاسد ، بغية إقامة مجتمع فاضل تسوده الرحمة و المودة و العدالة والتسامح والارتقاء بالإنسان إلى مستوى الإحسان، لينشئ مجتمع المحبة والتكافل.
وتحقيق المصلحة ودفع المفسدة غاية متحقِّقة وثابتة في كل الأحكام الشرعية وهي عامة وليست خاصة . وقد تضافرت النصوص القرآنية والحديثية على التأكيد عليها و الاهتمام بها ، ويمكننا إجمال هذه المقاصد الجليلة في المحافظة على الكليات الخمس الأساسية التي تقوم عليها حياة الناس، ويؤدي انعدامها إلى اختلال هذه الحياة ، وحدوث الفوضى والفساد فيها ، و هي : الدين و النفس و النسل و العقل و المال .
وامن الملاحظ أن هذه المقاصد الخمس للشريعة الإسلامية مرتبطة بقضايا بالغة الأهمية :
أ - فمقومات الحياة الإنسانية الرفيعة ، والرفاهية والسعادة لا يمكن أن تتحقق إلا بمراعاة هذه المقاصد و الغايات المحمودة النافعة .
ب - تهدف هذه المقاصد الخمس إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان ، وتحقيق الكرامة التي أرادها الله تعالى له.
ج - ترتبط هذه المقاصد الخمس بقضية الاجتهاد ، فعملية تنــزيل النص على الواقع تقتضي أن يكون الحُكم - في القضايا التي استجدت ولم تفِ النصوص بأحكامها - موافقا لمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي أُنزل القرآن لأجلها، وجاءت السنة النبوية لرعايتها. وتعتبر موافقة حُكم المجتهد لمقاصد الشريعة أوسع أوجه الاجتهاد حيث تكون أمام المجتهد فسحة أكبر لإعمال فكره ونظره و استفراغ جهده لاستنباط الحُكم الشرعي.
غير أنّ هذا لا يعني أن الاجتهاد والاستنباط تشريعٌ بقدر ما هو فهمٌ للكتاب والسنة، وإظهارٌ لحكم غير منصوص عليه استنادا إلى دليل من الأدلة المعتبرة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة. فالمجتهد ليس مشرِّعاً بل هو فقيه وظيفته التفسير والاستنباط ، ولا يدخل في دائرة اختصاصه إنشاء الأحكام والقوانين لأنه لا يملك الحرية المطلقة لوضع الأحكام وإلغائها أو تعديلها، بل هو مقيد بالقواعد العامة والمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية والأصول الشرعية التي ورد بها الكتاب والسنة النبوية.