تعلمت من ابن عثيمين(5)




المعْلمُ الخامس ([1]): التثبت في النقل والحكم:
النصوص الواردة في التثبت كثيرة، وقد خوطب بها جميع المؤمنين، لخطورة التعجل في النقل والحكم قبل التثبت، ويتأكد هذا في حق أهل العلم طلاباً وعلماء.


وأما ما يخصّ منهج شيخنا في هذا الباب، فهو من أكثر مَن رأيت تثبتاً في الأمور كلها، وخاصة فيما يتعلق بالمسائل العلمية أو التي تتعلق بالمنكرات العامة أو الخاصة، وحديثنا هنا عن المسائل العلمية:


أذكر أن الشيخ مرةً حصل منه سهو في نسبة لفظ من ألفاظ الحديث إلى البخاري على سبيل السهو، فذكرَ له أحدُ الطلبة هذا السهو بعد انتهاء الدرس، ولكن الشيخ قال له: تثبت! فرجع من الغد فذكرَ له الطالب أنه تأكد منه، فقال له شيخنا: هل رجعت إلى الكتاب الفلاني؟ قال: لا، قال: فراجعه، فلما كان من الغد قال له: لقد رجعت إلى ذلك الكتاب، فعندها بيّن الشيخ للطلبة أن أحد الطلاب نبّهه إلى أنه وَهِمَ في عزو ذلك اللفظ للبخاري، وأن الصواب أن الحديث في مسند أحمد وليس في البخاري.
وهذا المسلك ظاهر ـ أيضاً ـ عندما يسأله أحدٌ فإنه يستوضح من سؤاله كثيراً حتى يكون الجواب مطابقاً للسؤال، ومن استمع إلى برنامجه (سؤال على الهاتف) تبين له هذا بوضوح.


ومن مظاهر تثبت شيخنا ـ رحمه الله ـ أنه إذا سُئل عن سؤال له ارتباط ببعض التخصصات الطبية أو غيرها؛ فإنه لا يُفتي حتى يتأكد بنفسه من أهل الاختصاص، أو يعلِّق الحكم على نظر أهل الاختصاص، مثل جوابه عن أسئلة النساء التي تتعلق بجوانب طبية فيقول: إن قرر الأطباء أنه لا يضر فلا بأس به، أو يقول: سألنا الأطباء فذكروا كذا وكذا، وربما سُئل عن بعض الأمور الإدارية فاتصل بوزارة الخدمة المدنية.


وأذكر مرة أنه سُئل ـ وأنا أسمع ـ عن حكم قطع الإشارة في الأماكن التي لا يوجد بها أي سيارة في مناطق شبه خالية من الحركة؟ فقال: سألْنا المسؤول عن المرور فقال: بل يجب عليهم الوقوف ولو لم يكن عندها أحد، فعلى هذا يجب الوقوف عندها.


ومن مظاهر التثبت عند شيخنا: التثبت في الأخبار العامة أو فيما يُطلب منه من إنكار المنكرات، وكذلك فيما يتعلق بتوثيق الناس "التزكيات"، وقد أكسب هذا المسلك ثقلاً وقوة لكلامه، فبمجرد ما يُنسب الكلام عن الشيخ ابن عثيمين، اطمأن الناس إلى صحة الخبر، وإن زكّى أحداً وثِق الناسُ به. وللحديث صلةٌ إن شاء الله.




______
([1]) أشرتُ في الأجزاء الأول والثاني والثالث والرابع من هذه السلسلة إلى أربعة معالم مما تميزت به شخصية شيخنا ـ رحمه الله ـ وهي: "وضوح الهدف"، "الثبات على المنهج والهدف الذي رسمه لنفسه"، و "العناية بالقرآن حفظاً وفهماً وعملاً"، "حبّه لنشر العلم واغتنام الفرص لتبيلغ الشريعة"، وأتابع في هذا المقال ذِكر بعض تلكم المعالم.


* رابط المقال على الموقع: http://almuqbil.com/web/?action=arti...r&show_id=1613