30-03-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
وتعتبر النصيرية من الفرق الباطنية التي غالت في علي رضي الله عنه, فزعمت فيه وجودا إلهيا فألهوه, وقد أسس هذه الفرقة أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري الذي عاصر من أئمة الشيعة: علي الهادي (العاشر) والحسن العسكري (الحادي عشر), وزعم أنه الباب إلى الإمام الحسن العسكري, وأنه وارث علمه ومرجع الشيعة من بعده.


تعتبر النصيرية فرقة من فرق الباطنية التي تدعي الانتساب للإسلام وهو منها براء , ومصطلح الباطنية يطلق على جميع الفرق والطوائف التي تشترك في معتقد الظاهر والباطن, وتأويل النصوص إلى معان باطنية, فلظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري مجرى اللب من القشر بزعمهم, والخواص هم الذين ينظرون إلى بواطن النصوص دوت الأغبياء – على حد تعبيرهم – الذين يقتصرون على الظواهر فقط.
ومن المعلوم تاريخيا أن من وضع أصول الفرق الباطنية هم المجوس كما ذكر البغدادي, بمساعدة ومؤازرة الفلاسفة والملاحدة واليهود وجميع أعداء الإسلام, وأن بدايات ظهورها كانت في خلافة المأمون 197- 218 هجري, أو بعد ذلك بقليل بحسب آراء علماء الفرق. (1)
وتعتبر النصيرية من الفرق الباطنية التي غالت في علي رضي الله عنه, فزعمت فيه وجودا إلهيا فألهوه, وقد أسس هذه الفرقة أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري الذي عاصر من أئمة الشيعة: علي الهادي (العاشر) والحسن العسكري (الحادي عشر), وزعم أنه الباب إلى الإمام الحسن العسكري, وأنه وارث علمه ومرجع الشيعة من بعده. (2)
وبعيدا عن معتقدات النصيرية الباطلة في الإلهيات والنبوات وغيرها, فإن معتقدهم في مسألة مرحلة ما بعد الموت –الحياة البرزخية- لا يقل غلوا وشططا عن معتقداتهم الفاسدة الأخرى, وفي هذا التقرير سأتناول بشيء من التفصيل هذه المسألة التي سيجد فيها القارئ العجب العجاب مما يعتقده هؤلاء الناس الذين يسمون أنفسهم مسلمين دون أي علامة أو دليل على ذلك.
التناسخ هي عقيدة النصيرية في مرحلة ما بعد الموت
لا يعتقد أتباع النصيرية بشيء مما يؤمن به المسلمون من عذاب القبر أو نعيمه, أو سؤال الملكين أو غير ذلك من أمور الحياة البرزخية, ناهيك عن عدم إيمانهم بأن الثواب والعقاب ليسا في الجنة والنار أصلا كما يعتقد المسلمون, وإنما في هذه الحياة الدنيا من خلال تناسخ الأرواح وتقمصها حتى تصل الروح المؤمنة إلى مكانها في النجوم, حيث يزعمون أن جميع ما في لاسماء من الكواكب هي أنفس المؤمنين والصالحين منهم, ومن هنا يلقبون أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بأنه أمير الكواكب والنجوم. (3)
وتبدأ رحلة تناسخ الأرواح عند النصيرية بعد الموت, فإذا مات الإنسان انتقلت روحه إلى بدن تتقمصه ثوبا -حسب معتقدهم- ويكون هذا الثوب حسب إيمان الشخص بديانتهم أو كفره بها, ويطلقون عليه التكنيس أو التجلي ..
وصور التناسخ –حسب معتقد النصيرية– أربعة حسب قرب الشخص أو بعده عن الإيمان وطاعة أئمتهم أو عصيانهم وهي: النسخ والمسخ والفسخ والرسخ. (4)
1- النسخ: وهو انتقال الروح من جسم إنسان إلى آخر, وهو يقع عندهم على المؤمن والكافر على حد سواء, وتقمص الأرواح بالنسبة للمؤمن في نظرهم هو ارتقاء في الدرجات والمراتب حتى يخرج من هذه القمصان اللحمية, ويلبس قمصان الأنواع وهي النجوم وهم المؤمنون والصالحون.
أما الكافر فيحل عليه المسخ والنسخ -حسب اعتقادهم– فيبقى كذلك على مر الأكوار والأدوار يأتي بقمصان رديئة دنيئة كالحيوانت التي تذبح أو التي لا تذبح, أو أن يأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فيذاق بذلك حر الحديد وبرده. (5)
والمؤمن الذي يقع عليه التناسخ في معتقد النصيرية قسمان:
الأول: مؤمن عاصي: وهذا تدخل روحه بعد الموت في بدن إنسان غير نصيري وتستمر هكذا حتى تتطهر من خلال تنقلها من بدن لآخر حسب زعمهم.
الثاني: مؤمن طائع: وهذا تنتقل روحه إلى بدن مؤمن آخر أعلى منه درجة, وتظل هكذا في الترقي حتى تصل إلى أعلى درجة في الإيمان, وعند ذلك تفارق الروح الأبدان الإنسانية وتصبح مع الملائكة ويصبح بدنها نورانيا كما كان من قبل.
وأما باقي أرواح الطوائف الخارجة عن اعتقاد النصيرية فمنهم الغنم والوحوش وسائر الممسوخات وليس لهم خلاص أبدا حسب معتقدهم. (6)
وأما بالنسبة للمرأة المؤمنة فإنها أدنى درجة من الرجل, فلا تحل روح الرجل المؤمن بروح امرأة مؤمنة, بينما تدخل روح المرأة المؤمنة عندهم في صورة بدن رجل مؤمن عندما تترقى في درجتها, وذلك على عكس الكافر حيث يمكن أن تحل روح الرجل فيهم ببدن امرأة كافرة أو العكس, لأن كليهما أنقص من صاحبه. (7)
وكما أن المؤمن ينتقل في صورة التناسخ حتى يصل إلى درجة الملائكة –كما تزعم النصيرية-, فإن الكافر أيضا يمر بسبع درجات حتى ينتهي إلى أن يصبح إبليسا, وهذه الدرجات السبع هي: الكافر الممتحن ثم يصير نقيبا في الطغيان, ثم يصبح خالصا مخلصا في الإثم والطغيان, ثم مخلصا في تجنب كل خير, ثم مأوى للطغاة, إلى أن يصير بابا ثم إبليسا, وبعد ذلك يركب في الماسوخية. (8)
2- المسخ: هو انتقال الروح من جسم إنسان إلى جسم حيوان, وهو خاص بالكافر دون المؤمن, فبعد أن يصل الكافر إلى الدرجة السابعة من درجات النسخ ينتقل إلى المسخ, فتنتقل روحه إلى صور الحيوانات, ومن دخل بمرحلة المسخ فلا يعود إلى النسخ مرة أخرى.
وهذا كله عدل من الله لهؤلاء الجاحدين لأهل الحق –وهم النصيرية بزعمهم-, ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} الانفطار6-12, فيزعمون أن الله مسخهم لتكذيبهم بالدين الذي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه حسب زعمهم.
ويبقى عذاب النسخ والمسخ في معتقد النصيرية على الكافر في جميع الأدوار إلى أن يظهر القائم الغائب –وهو محمد بن الحسن العسكري– فيرد هؤلاء إلى صورتهم الإنسانية, ثم يقتلهم من جديد فتجري الأودية بدمائهم كما يجري الماء حسب زعمهم. (9)
ويزعمون أن أول درجات المسخ للكافر هو أن يأتي بصورة الحيوانات المأكولة, فيذوق وهو في تلك الصور ألم الذبح ألف مرة , وهو معنى قوله تعالى: { ....كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} الأنفال/6 حسب زعمهم الباطل, ثم يمسخ بعد ذلك إلى صور الحيوانات غير المأكولة حيث يموت فيها ألف ميتة أيضا, ويستدلون على هذا الانتقال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَك} الانفطار 6- 8 . (10)
والمسخ عند النصيرية أشكال ودرجات سبعة ينتقل فيها الكافر وهي: الكلب والخنزير والقرد والدب والضبع والحية والعقرب, وهذه الأشكال السبعة هي المعنى الباطن لقوله تعالى: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} الحجر/44 , بزعمهم الباطل . (11)
3- الرسخ: والكافر في معتقد النصيرية بعد أن يمر بكل مراحل النسخ والمسخ السابقة يصل إلى مرحلة الرسخ, وهي مرحلة انتقال الروح الإنسانية من بدن الحيوان إلى النبات أو الحشرات كالذباب والنمل, ويطلقون على ذلك الرسخ أو القشاش.
4- الفسخ: وهي مرحلة انتقال الروح الإنسانية من الحشرات والنبات إلى الجماد, وعندها يفنون وتنقطع حياتهم, وذلك بالنسبة للكافرين الذين مضوا وانتهوا من هذه المراحل قبل ظهور القائم, أما من بقي منهم عند ظهوره فتنقطع حياتهم بسيفه وسيف من معه من المؤمنين كما سبق, ويكون ذلك تمام عقوبتهم حسب معتقد النصيرية الباطل. (12)
إن النصيرية في اعتقادهم الباطل بالتناسخ والمسخ للأرواح يستدلون بكلام ينسبونه كذبا وبهتانا للإمام جعفر الصادق في تفسير قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} العنكبوت/21: أن العذاب والرحمة يعني بهما العذاب والرحمة في حالتي النسخ والمسخ, فإن النسخ بالنسبة للمؤمن رحمة لأنه تطهير له, بينما النسخ والمسخ للكافر عذاب, وقد جاء هذا التفسير في كتاب النصيرية "الهفت الشريف". (13)
إن أي مسلم لديه مسحة من عقل أو فكر يدرك حجم الأباطيل والخرافات والخزعبلات التي تنطوي عليها أمثال هذه الأفكار والعقائد الباطلة, كما أنه يوقن بتأثرها بالوثنية القديمة وأفكار الفلاسفة والمجوس واليهود والنصارى, فهي خليط من الأفكار والعقائد والديانات المحرفة.
ويكفي المسلم أن يسمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الطائفة ليدرك أنها خارج إطار الملة الإسلامية, فقد سئل رحمه الله عن حكم الإسلام في هذه الطائفة فأجاب:
(هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية, هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى, بل أكفر من كثير من المشركين, وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم, فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت, وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا بنهي ولا ثاوب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل ولا بدين من الأديان السالفة, بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها يدعون أنها علم الباطن) (14)
ــــــــــــ
الفهارس
(1) الفرق بين الفرق 284 والحركات الباطنية في العالم الإسلامي د . محمد أحمد الخطيب ص20
(2) الموسوعة الميسرة 1/393
(3) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د. الخطيب ص355 و دراسات في الفرق د. صابر طعيمة ص14
(4) الملل والنحل للشهرستاني 206 النصيرية أصولها وتطورها محمد العلمي ص260
(5) تعليم الديانة النصرانية – مخطوط – نقلا عن الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ص356
(6) الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية ص100 .
(7) النصيرية أصولها وتطورها محمد العلمي ص264 .
(8) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ص358 .
(9) الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ص356- 358
(10) النصيرية للعلمي ص266 .
(11) الباكورة السليمانية سليمان الأذني /22 .
(12) النصيرية للعلمي 268
(13) نقلا عن النصيرية للعلمي ص269 .
(14) مجموع الفتاوى 35/145 .